عليهم، بمعني أن يقبل توبتهم، عما سلف من آثامهم، و يتجاوز عما کان منهم في الجاهلية، من استحلالهم ما هو حرام عليهم من حلائل الآباء و الأبناء، و غير ذلک مما كانوا يستحلونه، و هو حرام عليهم. إن قيل: لم كرر قوله: «وَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم»! مع ما تقدم من قوله: «يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَ يَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَ يَتُوبَ عَلَيكُم» قلنا عنه جوابان:
أحدهما- أنه لما قال في الأول، و تقديره: يريد اللّه ليتوب عليكم أتي في الثاني ب (أن) ليزول الإيهام أنه يريد ليتوب، و لا يريد[1] أن يتوب علينا.
و الآخر- أن يبين أن ارادته منا خلاف إرادة أصحاب الأهواء لنا، لنكون علي بصيرة من أمرنا، و جاء الثاني علي التقابل، بأن اللّه يريد شيئاً و يريدون خلافه.
و المعني: بقوله: «وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ» قيل فيه أربعة أقوال:
الأول- قال إبن زيد: کل مبطل، لأنه يتبع شهوة نفسه في باطله.
الثاني- قال مجاهد: يعني به: الزناة.
الثالث- قال السدي: هم اليهود و النصاري.
الرابع- اليهود خاصة، لأنهم يحلون نكاح الأخت من الأب، و الأول أقوي، لأنه أعم فائدة، و أوفق لظاهر اللفظ. و قوله: «أَن تَمِيلُوا مَيلًا عَظِيماً» معناه أن تعدلوا عن الاستقامة بالاستكثار من المعصية، و ذلک أن الاستقامة هي المؤدية إلي الثواب، و الفوز بالسلامة من العقاب، و أما الميل عن الاستقامة فيؤدي الي الهلاك و استحقاق العقاب. فان قيل: ما معني إرادتهم الميل بهم! قيل قد يکون ذلک لعداوتهم، و قد يکون لتمام الأنس بهم في المعصية، فبين اللّه أن إرادته لهم خلاف ارادتهم منهم، و ليس في الآية ما يدل علي أنه لا يجوز اتباع داعي الشهوة في شيء البتة، لأنه لا خلاف أن اتباع الشهوة فيما أباحه اللّه تعالي جائز، و إنما المحظور من