فلما کان اللّه تعالي مالكاً لانشاء العالم کان رباً، و لا تطلق هذه الصفة إلا عليه تعالي، لأن إطلاقها يقتضي الملك بجميع الخلق، فأما إجراؤها علي غيره، فعلي وجه التقييد، كقولك رب الدار، و رب الضيعة. و قالوا في وصف قوم من العلماء: هم أرباب البيان يراد به شدة اقتدارهم عليه. و قوله: «هذا صِراطٌ مُستَقِيمٌ» فالاستقامة استمرار الشيء في جهة واحدة، و نظيرها الاستواء: خلاف الاعوجاج، فلذلك قيل للطريق المؤدي إلي المراد الموصل إلي الحق: طريق الاستقامة، لأنه يفضي بصاحبه إلي غرضه، و قد استوفينا معناه في سورة الحمد. و قد يوصف الدليل بأنه طريق مستقيم، لأنه يؤدي إلي الحق اليقين. و في الآية حجة علي النصاري بما قاله المسيح مما يقرون به أنه في الإنجيل من نحو هذا الكلام، لأن فيه أذهب إلي إلهي، و إلهكم، كقوله هاهنا: «إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُم».
فَلَمّا أَحَسَّ عِيسي مِنهُمُ الكُفرَ قالَ مَن أَنصارِي إِلَي اللّهِ قالَ الحَوارِيُّونَ نَحنُ أَنصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشهَد بِأَنّا مُسلِمُونَ (52)
آية.
الاحساس هو الوجود بالحاسة، أحس يحس إحساساً. و الحس القتل، لأنه يحس بألمه، و منه قوله: «إِذ تَحُسُّونَهُم بِإِذنِهِ»[1] و الحس: العطف، لاحساس الرقة علي صاحبه. و الأصل فيه إدراك الشيء من جهة الملابسة. و معني الآية: فلما علم عيسي منهم الكفر، قال: «مَن أَنصارِي إِلَي اللّهِ». و الأنصار جمع نصير مثل شريف و أشراف، و شهيد و أشهاد. و إنما لم يحمل علي ناصر لأنه يجب أن يحمل علي نظيره من فعيل و أفعال.