إن الشراة روُقة الأموال و حزرة القلب خيار المال[1]
و الأول أقوي لقوله: «فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم» فبين ان ذلک بمعني الشراء و البيع ألذي يتعارفه النّاس. و الربح- و ان اضافه الي التجارة- فالمراد به التاجر لأنهم يقولون ربح: بيعك و خسر بيعك و ذلک يحسن في البيع و التجارة، لأن الربح و الخسران يکون فيهما. و متي التبس فلا يجوز إطلاقه. لا يقال: ربح عبدك إذا أراد ربح في عبده، لأن العبد نفسه قد يربح و يخسر. فلما أوهم لم يطلق ذلک فيه.
و قيل: إن المراد، فما ربحوا في تجارتهم. کما يقال: خاب سعيك: أي خبت في سعيك. و انما قال ذلک لأن المنافقين بشرائهم الضلالة خسروا و لم يربحوا، لأن الرابح من استبدل سلعة بما هو أرفع منها. فاما إذا استبدلها بما هو أدون منها فإنما يقال خسر فلما کان المنافق استبدل بالهدي الضلالة و بالرشاد الخيبة عاجلا و في الآخرة الثواب بالعقاب کان خاسراً غير رابح. و انما قال: «وَ ما كانُوا مُهتَدِينَ»، لأنه يخسر التاجر و لا يربح و يکون علي هدي. فأراد اللّه تعالي أن ينفي عنهم الربح و الهداية فقال: «فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم وَ ما كانُوا مُهتَدِينَ» باستبدالهم الكفر بالايمان، و اشترائهم النفاق بالتصديق، و الإقرار بها. فان قيل: لم قال: فما ربحت تجارتهم في موضع ذهبت رؤوس أموالهم! قيل: لأنه قد ذكر الضلالة بالهدي، فكأنه قال: طلبوا الربح فما ربحوا، لما هلكوا. و فيه معني ذهبت رؤوس أموالهم و يحتمل ان يکون ذلک علي وجه التقابل: و هو ان الّذين اشتروا الضلالة بالهدي لم يربحوا، کما ان الّذين اشتروا الهدي بالضلالة، ربحوا.
مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذِي استَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَت ما حَولَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِم وَ تَرَكَهُم فِي ظُلُماتٍ لا يُبصِرُونَ (17)
إن قيل: كيف قال: (مثلهم)، أضاف المثل الي الجمع، ثم شبهه بالواحد في