فإن قلت: إذا اعتقد أحد بحسب
الأمارات الظنّيّة موت زيد، أو تولّد بكر، أو مرض عمرو، أو سفر خالد، و هكذا
اعتقادا ساذجا بلا إخبار عنه حتى يكون كذبا، فهل هو محرّم كما قد يقتضيه إطلاق
الآية و الحال أنّه لا يظنّ بأحد الالتزام بحرمة مثل هذا الاعتقاد حتى مع
الاقتفاء؟
قلت:
لا بدّ من رفع اليد عن مثل هذا الإطلاق إن فرض، و صرف الآية إلى ما يرجع إلى
الدين، و يؤيّده عدم ذكر الحواسّ الثلاث الآخر؛ لعدم ارتباطها غالبا بالأحكام
الشرعيّة، و يحتمل حمل النهي على الإرشاد، فيبقى الإطلاق بحاله.
لا
يقال: إنّ أكثر الأحكام الفقهيّة مستنبطة من الأدلّة الظنّيّة غير القطعيّة، فكيف
هذا النهي؟ فإنّه يقال بالتخصيص، كما قيل، لكنّه لا يصحّ لإباء مثل قوله تعالى:
إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً عن
التخصيص، و الحقّ أنّ الفقه بتمامه قطعيّ؛ فإنّ الأدلّة الظنّيّة المذكورة قد ثبتت
اعتبارها بدلائل قاطعة، ففي الحقيقة يرجع العمل بها إلى العمل بالقطع.
440.
قلع الحشيش و النبات من الحرم
في
صحيح جميل عن الصادق عليه السّلام: «رآني عليّ بن الحسين عليه السّلام و أنا أقلع
الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بنيّ! إنّ هذا لا يقلع».[1]
و
في صحيح حريز عنه عليه السّلام: «كلّ شيء ينبت في الحرم، فهو حرام على الناس
أجمعين».
و
مثله صحيحه الآخر و في آخره: «إلّا ما أنبته أنت و غرسته».
و
في موثّقة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى
خلاه، أو يعضد شجره إلّا الأذخر، أو يصاد طيره، و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها، و حرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى
خلاها، و يعضد شجرها إلّا عودي الناضح».
[1] . الرواية تنافي عصمة الإمام قبل بلوغه، كما نسبت
إلى مشهور الإماميّة. و هكذا تثبت عدم علمه بالأحكام.