أقول:
الاستثناء في الآية الأخيرة بكلا فرديه غير راجع إلى اتّخاذ الوليّ و النصير، بل
إلى القتل، كما يظهر من قبلها و من قوله: مِيثاقٌ، و
من قوله تعالى: فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.
و
إنّما الكلام في استثناء الآية الأولى، فنقول: إنّ قوله تعالى:
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ بدل اشتمال
لقوله: عَنِ الَّذِينَ، و معنى الآية: إنّ اللّه لا ينهاكم
عن برّ الكفّار الذين لم يقاتلوكم، و لم يخرجوكم من دياركم، و لا عن الإقساط معهم؛
فإنّ العدالة في نفسها حسنة.
و هذا
ليس من الاستثناء في شيء؛ إذ المحرّم هو اتّخاذ الكفّار أولياء، و تولّيهم، و
مودّتهم، و هذا ينطق بجواز البرّ و الإحسان و العدل مع الكفّار غير المضرّين، و لا
ربط بين الأمرين. و قد مرّ منّا القول بجواز الإطعام و غيره للكافرين إذا كان بلا
محبّة.
قال
أمين الإسلام الطبرسي في المجمع في ذيل الآية الشريفة المذكورة:
و
الذي عليه الإجماع أن برّ الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس
بمحرّم، و إنّما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة و الفطرة و الكفّارات، فلم يجوّزه
أصحابنا، و فيه خلاف بين الفقهآء، انتهى يعني فقهاء غير الإماميّة.
قال
المحقّق في الشرائع: «و لو أوصى الذّميّ للراهب و القسّيس و غيرهما جاز، كما تجوز
الصدقة عليهم، و الهبة، و غيرهما». و عقّبه صاحب الجواهر بقوله: «بلا خلاف و لا
إشكال؛ للعموم»[2].
أقول:
لكنّ قوله تعالى بعد ذلك: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ ...
يدلّ على أنّ المحرّم إنّما هو تولّي الكفّار المقاتلين للمسلمين، المخرجين لهم من
ديارهم، و قضيّة الحصر المستفاد من كلمة إِنَّما
عدم حرمة تولّي الكفّار غير المضرّين و إن كانوا متعصّبين لدينهم، و بهذا الحصر
يخصّص سائر الإطلاقات.