و
في صحيح محمد بن مسلم المرويّ عن معاني الأخبار قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام
عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي،
قال: روح اختاره اللّه و اصطفاه و خلقه و أضافه إلى نفسه و فضّله على جميع الأرواح
فنفخ منه في آدم»[2].
و
ثالثا: أنّ الآيات و الأحاديث لا تدلّ على أنّ اللّه نفخ الروح في آدم و عيسى حتّى
يقال بمثله في جميع بني آدم فيصحّ القول الأوّل و نحوه، بل مدلولها أنّ اللّه نفخ
من الروح فيهما فالروح منفوخ منها لا منفوخة، و هذا يظهر بأدنى تعمّق في الآيات
الكريمة.
و
أنا أظن- و اللّه العالم العاصم الهادي- أنّ المراد بالنفخ هو الإحياء، فمعنى
الآيات على هذا أنّ اللّه أحيا آدم و عيسى من الروح، فالروح مبدأ الحياة لا نفسها،
و الظاهر أنّ علاقة الروح بالبدن تدبيرية، فليست بداخلة في البدن و لا راكبة و لا
البدن ظرفها، و إذا قلنا بتجرّد الروح- كما هو الظاهر- فلا بد من اختيار هذا القول
عقلا.
فإن
قال قائل: فما تقول في قوله تعالى: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ[3]
الدالّ على دخول الروح في البدن؟ فقد أجيب عنه بأنّ بلوغ النفس الحلقوم كناية عن
الإشراف التام للموت، فليس المراد حركة الروح من الأسفل إلى الحلقوم حركة مكانية،
و كذا الكلام في قوله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ
التَّراقِيَ[4].
و
الأظهر عندي أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى:
بَلَغَتِ إلى الروح، و يحتمل قويا رجوعه إلى الحياة الإنسانيّة القائمة بجميع
البدن و الرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا، و مع هذا الاحتمال لا يبقى
مستمسك لمن يظنّ أنّ الروح داخلة في البدن و تخرج منه خروج جسم من جسم.
و
أمّا قوله تعالى في حقّ مجاهدي غزوة الخندق: وَ
بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ[5]،
فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المشار إليهما أيضا يرجع إلى القلوب،
على أنّه أيضا كناية جزما، و اللّه أعلم و هو الهادي.