ثم إن الابتلاء من حيث ترتبه على خلق الإنسان من نطفة أمشاج، قد جاء ليثير كوامن الإنسان، في صراط نموه و تكامله المتمثل في حصوله على خصوصياته و مزاياه الإنسانية، و في ترميم و إصلاح ما وجده مشوها أو منقوصا، و في الحفاظ على حالة السلامة فيه بعد إصلاحه ..
و يتجلى هذا الابتلاء تارة في مواجهة الإنسان بالمغريات المحرمة، و بالمصائب و البلايا، فإن هذه المصائب و البلايا إذا أحسن الإنسان الاستفادة منها، هي من أسباب تكاثر النعم، بل هي بنفسها نعم، من حيث أنها من أسباب تكامل الإنسان، و من موجبات صقل شخصيته.
ثم يتجلى تارة أخرى في مواجهة الإنسان بالنعم نفسها، لتكون هي مادة الابتلاء و الاختبار له: فيعطيه اللّه القوة و الجمال و المال، و الغرائز، ثم يعطيه العقل، و الفطرة الهادية إلى الكمال. بالإضافة إلى الهدايات التشريعية، التي يحتاجها، من حيث إن إعطاء تلك النعم له قد جعله بحاجة إلى هدايات تناسبها، و لينظر، أيشكر أم يكفر.
و قد روي: أن أول ما ابتلى اللّه به عباده هو نعمة خلقهم، حيث يفرض عليهم أن يحسنوا التصرف بأنفسهم، و أن يشكروا اللّه المتفضل عليهم بهذا الخلق، ثم الاستفادة منه في دائرة تكامل خصائصهم الإنسانية و الروحية، و حتى الجسدية، و حفظها.
و المناسب لسياق الآيات هنا هو إرادة الابتلاء بالنعم، لا الابتلاء بالمصائب و البلايا .. فإن الآيات تحدثت عن الشكر للنعمة، و الكفر بها.