و قد قال تعالى: يَخافُونَ يَوْماً، و لم يقل: يخافون اليوم الذي كان شره مستطيرا، و كذلك لم يقل: يخافون يوم القيامة.
فلعل السبب في ذلك هو أنه أراد التصريح بتنوين التنكير في قوله «يوما» لكي يعطي المزيد من الرهبة، و التهويل، و التعظيم .. من حيث إن عدم التحديد لأهوال ذلك اليوم، يجعل الذهن يستنفر كل طاقاته، و يذهب كل مذهب في تخيل أوصاف ذلك اليوم، و حالاته، و أهواله، و شدائده .. و هو مناسب جدا لقوله: «كان شره مستطيرا».
مناشىء الخوف:
و إن للخوف بمعنى الانفعال النفساني مناشئ و محركات مختلفة ..
فقد يكون مبعث الخوف هو النفس الأمارة بالسوء، كالذي يخشى فوات فرصة التلذذ بالجنس، فيقدم على الزنى، و قد يكون مبعثه التحرز من التعرض للأذى بعد ارتكاب جريمة مّا. كالسارق الذي يخاف من انكشاف أمره، و ملاحقته بالعقوبة ..
و قد يكون الباعث على الخوف هو النفس اللوامة .. كمن يخاف من غلبة دواعي الهوى عليه .. مع سعيه للتخلص منها ..
و قد يكون الباعث له هو النفس المطمئنة التي تبحث عن الخير، و تخاف من فواته منها، كمن يخشى فوات فرصة الحج، أو نحو ذلك ..
فالحالة الشعورية التي هي انفعال و خشية نفسانية موجودة في هذه الموارد على نحو واحد ..
و لذلك جاء التحديد لمنشأ الخوف لدى الأبرار في الآية الشريفة، حيث قال تعالى: يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ..