فعلية العقاب، فالاستدلال بها على البراءة يتوقف على أن يكون المراد من نفى العذاب نفى الاستحقاق، و ذلك ينافى ردّ مقالة الأخباريين المنكرين للملازمة بما تقدم: من أنّ المراد من نفى العذاب نفى الفعلية لا الاستحقاق، و إلى ذلك ينظر كلام المحقق القمي (ره) حيث قال: «إنّ من جمع في الآية بين الاستدلال بها على البراءة و بين ردّ الأخباريين لإثبات الملازمة يكون قد جمع بين النقيضين».
و أمّا ثانيا: فلأنّ الحرمة الشرعية مع إخبار الشارع بنفي التعذيب و التفضل بالعفو لا يجتمعان، لأنّه يلزم أن يحمل الشارع العباد على التجري بفعل الحرام، فانّ الإخبار بالعفو يوجب إقدامهم على فعل الحرام المعفوّ عنه، فيلزم لغوية جعل الحرمة [1] نعم: لا مانع من الإخبار بالعفو بالنسبة إلى المعصية التي لا يكون الإخبار به موجبا للتجري و إقدام العباد عليها، كالإخبار بالعفو عن نيّة السيّئة، فانّ المخبر به هو العفو عن نيّة السيّئة المجردة عن تعقبها بالسيئة، و لا يمكن للعبد التجري على ذلك، فانّ القصد و التجري على النيّة المجردة لا يعقل، إذ لا يتحقق العزم على العزم المجرد.
و كالإخبار بالعفو عن الصغائر عند الاجتناب عن الكبائر، فانّ المخبر به هو العفو عن الصغائر إذا كان العبد مجتنبا عن الكبائر ما دام العمر و في تمام أزمنة حياته [2] و لا يمكن بحسب العادة أن يعتقد الشخص أنّه يجتنب عن الكبائر في مدّة حياته حتى يتحقق منه التجري و الإقدام على الصغائر اعتمادا.
______________________________ [1] أقول: يكفى في صحة جعله إحداث موضوع العفو و إبراز مقام الغفورية، إذ فيه مصلحة ظاهرة يكفى لتصحيح إنشاء الحرمة في مورد مع العفو، فلا يلزم من كشف العفو عن عدم الحرمة، كما توهّم في الظهار. نعم:
الأولى أن يقال: إنّ الظاهر من الآية و التعبير ب «ما كنّا معذّبين» أنّ مثل هذا ليس شأننا، و هذا غير باب العفو الّذي شأنهم العذاب مع عفوه عنهم رأفة و رحمة، كما لا يخفى.