حكم مشتبه الحكم من حيث إنّه مشتبه، فهي أجنبية عما نحن فيه.
كما أنّ مفادها أجنبي عما زعمه الأخباريون: من دلالتها على نفى الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع، بتقريب: أنّ الملازمة تقتضي ثبوت العذاب عند استقلال العقل بقبح شيء و لو مع عدم بعث الرسل و الآية تنفي العذاب مع عدم بعث الرسل فلا ملازمة بين حكم العقل و العذاب و يلزمه عدم الملازمة بين حكمه و حكم الشرع و إلّا لما احتاج التعذيب إلى بعث الرسل.
و أنت خبير: بأنّ الرسول في الآية الشريفة كناية عن الحجة، فيعمّ الرسول الباطني و الرسول الظاهري.
و قد قيل في ردّ مقالة الأخباريين: إنّ أقصى ما تدل عليه الآية المباركة هو نفى فعلية التعذيب قبل بعث الرسل، و الملازمة المدّعاة إنّما هي بين حكم العقل و استحقاق العقوبة، و نفى فعلية العذاب لا يقتضى نفى الملازمة، فانّه من الممكن أن يكون الشارع قد حكم بحرمة ما استقل بقبحه العقل و كانت مخالفة الحكم الشرعي تقتضي استحقاق العقوبة، و لكن الشارع تفضّل بالعفو و أخبر به، كما تفضل بالعفو عن نيّة السيّئة[1] و كما تفضّل بالعفو عن الصغائر عند الاجتناب عن الكبائر[2] و كما تفضّل بالعفو عن الظهار مع حرمته[3] على ما قيل.
و لا يخفى ما فيه- أمّا أوّلا: فلأنّ الاستدلال بالآية المباركة على البراءة لا يجتمع مع القول بأنّ مفادها نفى فعلية التعذيب لا استحقاقه [1] لأنّ النزاع في البراءة إنّما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب الشبهة و عدم استحقاقه، لا في
______________________________ [1] أقول: ذلك كذلك لو لا دعوى عدم القول بالفصل بين نفى الفعلية في الشبهات مع نفى الاستحقاق بين المجتهدين و الأخباريين- كما هو المدعى في كلماتهم- فراجع.
[1] الوسائل: الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 6 و 7 و 8 و 10
[2] الوسائل: الباب 45 من أبواب جهاد النّفس الحديث 4 و 5