إمكان اكتفاء الشارع بما هو طريقة العقلاء: من العمل بالظن في التكاليف الصادرة من الموالي العرفية مع القطع بعدم نصب المولى طريقا إليها، و لا يجب عقلا على المولى نصب الطريق عند انسداد باب العلم بالتكاليف على العبد، بل يصح له إحالة العبد إلى ما يستقل العقل به من العمل بالظن. نعم: يجب على المولى الرضاء بما يستقل به العقل، و ليس له مؤاخذة العبد على العمل بالطريق العقلي، هذا.
و لا يخفى ما فيه، فانّ الحكم العقلي إنّما يقع في سلسلة الإطاعة، و العقل يستقل أوّلا بالإطاعة العلمية تفصيلا مع الإمكان، أو إجمالا بالاحتياط مع عدم الإمكان، أو مطلقا- على التفصيل المتقدم في باب العلم الإجماليّ- فإذا تعذرت الإطاعة العلمية تفصيلا و إجمالا يستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية و الخروج عن عهدة التكاليف ظنا [1] فلا بد أوّلا من إبطال الاحتياط
______________________________ [1] أقول: مرجع حجية الظن في مقام الإثبات- كما هو مقصود القائل بالحكومة في باب الانسداد- ليس إلّا منجزية. الظن للأحكام، و هذا المعنى منوط بعدم وجود منجز آخر: من علم أو علمي تفصيلي أو إجمالي، و إلّا فلا ينتهى النوبة إلى منجزية الظن به، و حينئذ الّذي ينوط به حجية الظن هو عدم وجود مثبت آخر، لا عدم لزوم تحصيل العلم في مقام الإسقاط و الفراغ، كيف! و القائل بحجية الظن من باب الحكومة همّه تحصيل الجزم بالفراغ عما اشتغلت الذّمّة به بالعمل بظنه، و حينئذ ليس معنى إناطة حجية الظن عقلا على بطلان الاحتياط بمعنى تحصيل الجزم بالفراغ بأي وجه، بل منوط بعدم وجوب الاحتياط من قبل منجز آخر: من علم إجمالي أو إيجاب احتياط شرعي مثلا، و عدم هذا الوجوب غير منوط بالإجماع المزبور بكلا تقريريه، بل يكفى فيه منع منجزية العلم الإجماليّ و منع إيجاب الاحتياط الشرعي، و يكفى في الأوّل نفس قيام الإجماع و الضرورة على بطلان الخروج من الدين و لو فرض لم يكن في البين علم إجمالي، إذ مثل هذا الإجماع التقديري يكفى في الجزم بوجود منجز آخر غير العلم الإجماليّ، و هو كاف في انحلاله، كما أنّ منع الإيجاب الشرعي أيضا يكفى فيه أنّه لو لم يكن من قبل الشارع جعل حكم شرعي طريقي العقل يحكم حكما بتّيا بلزوم تعرض الأحكام، و مع هذا الحكم العقلي لا يبقى مجال للكشف غير الجعل الشرعي، لاحتمال إيكاله إلى حكم العقل، و ببقية المقدمات يثبت دائرة هذا الحكم في الظن، فيحكم العقل بمثبتية الظن و حجيته حكومة لا كشفا.
نعم: لو لم يحكم العقل بشيء أصلا لا محيص عن كشف الجعل، و لو بمثل إيجاب الاحتياط شرعا، و لو في دائرة الظنون بضم بقية المقدمات، و لكن منع حكم العقل لو لا الجعل الشرعي خارج عن الإنصاف، كما أشرنا إليه سابقا، كما أنّ دعوى الإجماع المزبور بكل من تقريريه- المستلزم لعدم إمكان تحصيل الجزم بالفراغ بنحو