قوله عليه السلام: «نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا» لأنّه لا يصدق على المقلّد أنّه نظر و عرف فإنّ المعرفة إنّما تصدق مع الإحاطة بجميع خصوصيات الشيء و مميّزاته و حصول هذه المعرفة من خلال الأحاديث و لا سيّما المتعارضة أو المجملة و المبهمة منها لا يتيسّر إلّا لمن كان له ملكة الاجتهاد و الفقاهة فلا أقلّ أنّه المتيقّن.
و الثالث قوله عليه السلام: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما ...» و أيضاً قول السائل: «أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه» أو «المفتيين» كما في رواية التهذيب لأنّ عنوان الأفقه كعنوان الفقيه و المفتي لا يقال لغير المجتهد و ذيل الحديث الناظر إلى مدارك الأحكام من الموافقة للكتاب و السنّة أو المخالفة للعامّة، ليس إلّا في شأن المجتهد فكلّ ذلك ممّا يظهر منه اعتبار الفقاهة في من نصبه الإمام عليه السلام للقضاء بالنصب العامّ[1].
ثمّ لا يخفى أنّ مورد السؤال لا يختصّ بالشبهة الحكميّة[2] بل قول السائل: «بينهما منازعة في دين أو ميراث» أعمّ من كون النزاع في الحكم أو الموضوع، فصدر الحديث ظاهر في القضاء في الأحكام أو الموضوعات، و دالّ على أنّه لا بدّ من أن تكون الأحكام الصادرة مستندة إلى أحاديثهم عليهم السلام. كما أنّ قوله عليه السلام: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» ناظر إلى مقام النصب للقضاء لا الإفتاء أو التحكيم، فتأمّل.
و لكن يحتمل أن يكون ملاك الحقّ و الصحّة في القضاء هو كون حكم القاضي في مورد الدعوى موافقاً لأحكام الأئمّة عليهم السلام و طريق استنباطه هو النظر في أحاديثهم لا أن يكون الحاكم هو الناظر و المستنبط فكما أنّ الحاكم المجتهد نافذ حكمه إذا حكم بحكمهم، فكذلك غير المجتهد إذا كان حكمه مطابقاً لحكمهم فلذا قال عليه السلام: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللَّه ...».
[1]- راجع لمن استدلّ بالمقبولة لإثبات الاجتهاد و الفقاهة: مفتاح الكرامة، ج 10، ص 9- العروة الوثقى، ج 3، ص 6- كتاب القضاء للمحقّق الگلپايگاني، ج 1، ص 29- القضاء و الشهادات للشيخ الأنصاري، ص 30.
[2]- كما قاله المحقّق الخوانساري في جامع المدارك، ج 6، ص 6.