ثمّ إنّه قد يقال باختصاص جواز التفريق قبل ثبوت العدالة و طلب المدّعي و إلّا أشكل الجواز لظهور النصوص في وجوب الحكم حينئذٍ.
قال الشهيد الثاني رحمه الله: «و محلّ التفريق قبل الاستزكاء إن احتيج إليه»[1]، و ظاهره أنّ محلّ التفريق قبل تماميّة ثبوت عدالة الشهود و لو مع الريبة و لكن نقول: لا وجه للحكم مع الريبة و أنّ القاضي يحتمل العلم بالواقع مع التأخير و تفريق الشهود. و لو كان مراد الشهيد رحمه الله ذلك فعليه أن يقول: لا يجوز تفريق الشهود عند عدم الاحتياج للاستزكاء، و هو بعيد عن سياق كلامه.
و قال أيضاً بكراهة تفرقة أهل الفضل و العقل الوافر و الدين، لأنّ فيه غضاضة منهم و نقيصة[2] و لا بأس به.
و الحاصل؛ أنّه يجب على الحاكم، لإحقاق الحقّ و إثبات الواقع و نفي كلّ ريبة و شكّ، أن يستخدم كلّ سبيل مشروع، ممّا له دخل في الكشف عن أصل الواقعة، سواء اقتضى الأمر منه إلى تفريق الشهود أم لا.
فقد تبيّن أنّ القول باختصاص جواز التفريق بما قبل ثبوت العدالة و طلب المدّعي الحكم لظهور النصوص في وجوب الحكم حينئذٍ ليس بشيء.
و ذلك، لأنّ استفادة ذلك من نفس إطلاق الأدلّة، مع مخالفته للزوم تحصيل الاطمئنان، مع إمكانه و سهولته، بعيد في الغاية. و القول باستحباب ذلك و كذلك القول بكراهته في بعض الأحيان، فيه ما لا يخفى لأنّه لا يثبت ممّا قلنا الاستحباب الشرعي أو الكراهة الشرعيّة؛ نعم لو كان المراد من الاستحباب الحسن و من الكراهة القبح فلا بأس فيه.