أقول: إنّ هذه المسألة أعني التثبّت لإحقاق الحقّ و استخدام كلّ سبيل مشروع له الذي منه تفريق الشهود أحياناً ممّا يحكم به العقل و يساعد على قبوله بناء العقلاء و الأصل و يدلّ عليه ما قضى به دانيال و داود و علي عليهم السلام[1].
و إنّ قضاءهم ذاك لم يكن إلّا وفق ما حكم به العقل، من وجوب لزوم السعي في إحقاق الحقّ و إظهار ما هو الواقع على دكّة القضاء و الحكم، حيث إنّ في مثل هذا المقام، لا يكتفى فقط بوجود الدليل و لو كان حجّة شرعاً نظراً لحصول الريبة أو الظنّ بكون الواقع على خلاف ذلك الدليل.
نعم، لا بدّ من أن يكون السعي و التحقيق جارياً وفق الضوابط المقرّرة و الطرق المقبولة كما لا يجوز أن يعطّل الحكم و يؤخّره بجهة وجود احتمال ضعيف أو شيء من الشكّ و الريبة في دليله، مع تماميّة شرعيّته و وضوح موقعيّته. و هذا أمر يعرفه كلّ من كان له فهم صحيح و طبع سليم.
و المروي من قضائه عليه السلام في جارية قد شهدوا عليها أنّها بغت في عهد عمر و هو أنّهم «أتوا عليّاً عليه السلام و قصّوا عليه القصّة؛ فقال لامرأة الرجل: أ لك بيّنة أو برهان؟ قالت: لي شهود، هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول. فأحضرتهنّ و أخرج علي عليه السلام السيف من غمده، فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهنّ فأدخلت بيتاً ثمّ دعا امرأة الرجل فأدارها بكلّ وجه. فأبت أن تزول عن قولها، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه، و دعا إحدى الشهود
[1]- وسائل الشيعة، الباب 19 من أبواب كيفيّة الحكم، ح 1؛ و الباب 20 منها، ح 1، ج 27، صص 277-/ 280.