الثاني هو المأمور بإجرائه من قبل من له ذلك و أمّا في مرحلة وجوب النظر في الدعوى ثانياً و إثبات الحقّ، فإنّه في حقوق اللَّه تعالى يجب عليه؛ لأنّ له الولاية عليها و أمّا في حقوق الناس فتتبّع الحقّ و إثباته لذي الحقّ منوط بطلبه؛ لأنّ الحقّ له و يمكن إعراضه عنه و لم يكن للحاكم ولاية عليه إلّا إذا طلبه فتأمّل.
و إن شئت توضيحاً لذلك فاسمع ما نتلو عليك و هو:
اعلم أنّ المسائل التي ترجع إلى السلطة القضائيّة للتحقيق و الكشف و التحكيم متنوّعة مختلفة من حيث القلّة و الكثرة في المدّعى به و الصغر و الكبر و الأهمّيّة و غيرها و صعوبة التحقيق و السهولة، و ليست كلّها في درجة و مرتبة واحدة و كذا القضاة ليسوا من حيث المهارة في أمور القضاء و الدقّة و تعداد سنوات الاشتغال في عمليّة القضاء في مستوى واحد، فكلّ واحد منهم لا يقدر و لا يتمكّن بأن يشتغل بالتحقيق في كلّ ملفّ من الملفّات و يحكم فيها و يميّز الحقّ و يكشفه عن الباطل.
فلا بدّ أن تقسّم الأمور بينهم بحسب استعداداتهم و شئونهم و تعيّن وظيفتهم بحسب مراتبهم؛ و كذلك التتبّع و التحقيق و الحكم و إظهار النظر و الحكم من حيث مراحل التحقيق و دفعات التتبّع. فربما مسألة تقتضي التتبّع و التحقيق بمرّة واحدة و احتمال خفاء الحقّ فيها ضعيف و ربما تقتضي بطبعها و عنصرها أكثر من ذلك في مرحلتين أو مراحل و دفعات حتّى ينجلي الحقّ و يكشف الواقع و الحقيقة و تضعف احتمال الباطل و سوء الفهم بحسب الأهمّيّة و غيرها.
ثمّ إنّه يتّفق أن يكون الحكم و النظر القضائي الصادر على خلاف القاعدة و القانون الشرعي أو العرفي المدوّن أو غير المدوّن و يعدّ تخلّفاً قضائيّاً عمديّاً أو غير عمديّ ناش عن جهل القاضي أو غفلته، فحينئذٍ يلزم أن ينقض الحكم و يبطل و أن يحكم فيه مرّة ثانية و هذا لا كلام فيه و لا خلاف و لا إشكال. و قد تفرض المسألة من المسائل المهمّة الصعبة التي يفرض التحقيق و التتبّع فيها في مرحلتين أو مراحل و هذا أيضاً قد يختلف فبعضها