و مقتضى عبارة المحقّق رحمه الله هنا كعبارة العلّامة رحمه الله و غيره[1] أنّ قذف غير العفيف موجب للتعزير، و لكن قد نقلنا سابقاً في الفصل الرابع من فصول النظر الأوّل عن الماتن رحمه الله قوله:
«و لو كان المقول له مستحقّاً للاستخفاف فلا حدّ و لا تعزير»[2]، و نقلنا هناك عن جملة من الفقهاء أنّ الاستحقاق يتحقّق بتظاهره بالفسق[3].
قال الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة: «و تردّد المصنّف في بعض تحقيقاته في التعزير بقذف المتظاهر به، و يظهر منه الميل إلى عدمه، محتجّاً بإباحته، استناداً إلى رواية البرقيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» و في مرفوعة محمّد بن بزيع: «من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب»؛ و لو قيل بهذا لكان حسناً.»[4]
و لكن في المسالك، بعد نقل الكلام المذكور آنفاً عن الشهيد الأوّل رحمه الله، قال في توجيه وجوب تعزير من قذف غير العفيف: «و لعلّ القذف بالزنا مستثنى، لفحشه و إطلاق النهي عنه»، بل ذكر أنّه لا دليل صريح على انتفاء الحدّ بقذف غير العفيف، و الروايتان المذكورتان غير صريحتين في ذلك، فينبغي حملهما على الاستخفاف بغير القذف.[5]
و الحقّ أنّه لا دليل لتعزير القائل، و لا سيّما إذا قاله في طريق الأمر و النهي، و ذلك لما مرّ من النصوص الدالّة على عدم الحرمة لمن جاهر بفسقه، و للأصل.
نعم، لو كان متظاهراً ببعض المحرّمات و لكن لم يكن متظاهراً بالزنا و اللواط، فالظاهر عدم جواز قذفه بهما، لإطلاق أدلّة حرمة القذف أو عمومها، و لأنّ لكلّ معصية حكمها
[1]- قواعد الأحكام، ج 3، ص 545- تحرير الأحكام، ج 5، ص 405، الرقم 6957- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 177- تبصرة المتعلّمين، ص 196- اللمعة الدمشقيّة، ص 258.