و ذلك لأنّ مثل المفيد و الحلبي رحمهما الله، و إن جعلا موضوع المسألة التوبة بعد ثبوت الجرم بالشهادة و البيّنة، إلّا أنّه لو جاز العفو عند قيام البيّنة، جاز عند الإقرار بطريق أولى.
أقول: هذه هي الأقوال المذكورة في المسألة، و أمّا تخيير الإمام في إقامة الحدّ، رجماً كان أو جلداً، فقد استدلّ عليه بعد الإجماع في الأوّل و الشهرة العظيمة في الثاني، بالروايات التالية:
1- ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لا يعفى عن الحدود التي للَّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام.»[1] و ضريس الكناسي، فإن كان هو: «ضريس بن عبد الملك بن أعين»- كما قال المحقّق التستري أنّه الأصحّ[2]- الذي قال الكشّي في حقّه: «خير، فاضل، ثقة»[3]، فسند الحديث حسن في الكافي، صحيح في التهذيب، و الفقيه، و الاستبصار.
و عبّر سيّدنا الأستاذ المحقّق الخوئي رحمه الله عن الحديث بالصحيح.[4] و ظاهر الحديث أنّ مصبّ كلامه عليه السلام بيان عدم جواز عفو غير الإمام لحقوق اللَّه، لا بيان جواز عفو الإمام في جميع الحدود و في جميع الحالات، و لو مع عدم الإقرار و عدم التوبة.
نعم، يثبت بمفهوم الحديث أنّ للإمام عفو بعض الحدود التي للَّه، و لعلّه ما ثبت بالإقرار، أو ما تاب المجرم فيه و لو كان ثبوت الجريمة بالبيّنة، فليس في الرواية تفصيل بين الإقرار و البيّنة.
[1]- وسائل الشيعة، الباب 18 من أبواب مقدّمات الحدود، ح 1، ج 28، ص 40.