المرأة في القبل في غير الملك و شبهته. و قد ذكر الحنفيّة تعريفاً مطوّلًا يبيّن ضوابط الزنا الموجب للحدّ، فقالوا: هو الوطء الحرام في قبل المرأة الحيّة المشتهاة، في حالة الاختيار في دار العدل، ممّن التزم أحكام الإسلام، الخالي عن حقيقة الملك و حقيقة النكاح، و عن شبهة الملك، و عن شبهة النكاح، و عن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك و النكاح جميعاً.»[1] أقول: لا يخفى أنّ تعريف المحقّق رحمه الله كتعريف يحيى بن سعيد الحلّي رحمه الله و الدكتور وهبة الزحيلي، هو تعريف الزنا، و ليس تعريفاً لموجب حدّ الزنا- كما في سائر التعاريف- بمعنى علّة الحدّ. و ذلك لأنّ علّة الحدّ هي عبارة عن الزنا، بالإضافة إلى شرائط سنأتي على بيانها فيما بعد. و عليه، فصرف وقوع الزنا، ليس موجباً للحدّ.
أجل، إنّ الموجب للحدّ- بمعنى سبب الحدّ و مقتضيه الذي هو جزء العلّة لا تمامها- هو الزنا. و ذلك لأنّ الزنا له إطلاقان، فتارة يطلق و يراد منه كلّ ما يصدق عليه الزنا في العرف العامّ، سواء أ كان محرّماً أم غير محرّم. و أخرى يطلق و يراد منه الزنا المحرّم، كما في قوله تعالى: «الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ ...»[2].
و عليه، فتعريف الزنا، هو إيلاج الإنسان ذكره- سواء كان كبيراً أم صغيراً، عاقلًا أم مجنوناً، مختاراً أم مكرهاً، مشتبهاً أو غير مشتبه- في فرج امرأة أو جارية، من غير عقد دائم أو متعة و لا ملك يمين و لا تحليل. و أمّا تعريف الموجب للحدّ، فهو إيلاج الإنسان الكبير العاقل المختار غير المشتبه، ذكره في فرج امرأة أو جارية، من غير عقد دائم أو متعة و لا ملك و لا تحليل.
و على ذلك، فصغر السنّ، و الجنون، و الإكراه، هي أمور مانعة عن الحرمة، و ليست مانعة
[1]- الفقه الاسلاميّ و أدلّته، ج 6، صص 26 و 27- و راجع في هذا المجال: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 5، ص 49.