وللفخر الرازي توجيه آخر لهذه الآية المباركة
إذ يرى أنَّ النّهي قد يكون للتحريم وقد يكون تنزيهاً غير ملام عليه، قال: (لا
تسلم أنَّ النّهي للتحريم فقط، بل هو مشترك بين التحريم والتنزيه، وتفسيره أنَّ النهي
يفيد أنّ جانب الترك راجح على جانب الفعل) ([513]).
فيكون نهياً إرشادياً لا يعاقب على
تركه فيكون من باب ترك الأولى، ثم أنَّهُ – رأي الرازي – يفرض أنَّهُ مع التسليم
بأن النهي كان محرماً لكن آدم فعل ناسياً لقوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طه/115) وحينئذٍ لم يكن
ذنباً لأنّ التكليف مرتفع عن الناسي، ثم يوجه الآية حتى مع احتمال نفي النسيان،
فحتى مع أنَّهُ لقائل أنَّ يقول: إنّ آدم لم يكن ناسياً، بدليل هذه الآية {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} (الأعراف/20) إذ إنه
عوتب على ذلك وإنّه لو كان ناسياً لما عوتب على الفعل، فحيث عوتب دلّ على أنَّهُ ما
كان ناسياً، ثم يجيب الرازي على هذا الاحتمال – بانا نسلّم أنَّهُ لم يكن ناسياً ولكنه
أخطأ في الاجتهاد، وذلك لأنّ كلمة (هذه) في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} (الأعراف/19) قد يراد
بها الإشارة إلى الشخص، وقد يراد بها الإشارة إلى النوع كما في قوله عليه الصلاة والسلام:
(هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به) فآدم عليه الصلاة والسلام اشتبه الأمر
عليه فظن أنَّ المراد هو الشخص فعدل عنه إلى شخص آخر، إلاّ أنَّ المجتهد إذا