ومن هذه النصوص وغيرها يتضح لنا أن الزهري كان يصر إصرارا واضحا على عدم كتابته للحديث وعدم امتلاكه للكتب إلا صحفا فيها قصائد شعرية، وانه لم يكن يستعيد حديثا واحدا، والأخطر من ذلك كله هو اعترافه بأنه كان يحدث بالأحاديث التي كانت تعجبه فقط وما لم يعجبه منها أخفاه.

غير أننا إذا تتبعنا أقوال ابن شهاب الزهري نفسه، وأقوال معاصريه، نجد أن ابن شهاب الزهري كان يكذب في ادعائه بعدم كتابته للحديث، وعدم امتلاكه لكتب الحديث، وكذلك كان يكذب في ادعاء الاعتماد على حفظه فقط، وكذبه في عدم إعادة الحديث الذي كان يسمعه واسترجاعه ومدارسته، وبين أيدينا نصوص كثيرة تؤكد وتثبت أكاذيب الزهري نختار منها على سبيل الإيجاز والاختصار ما يأتي:

روى ابن أبي الزناد عن أبيه قال: (كنا نطوف مع الزهري ومعه الألواح والصحف ويكتب كل ما سمع)([167]).

وعن صالح بن كيسان قال: (اجتمعت أنا والزهري نطلب العلم فقلنا: نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة، فقلت أنا: ليس بسنة، فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت)([168]).

وعن ابن خلكان قال: (وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا فقالت له امرأته يوما والله لهذه الكتب أشد علي من

[167] الأعلام لخير الدين الزركلي ج7 ص97، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 8 ص 245.

[168] التمهيد لابن عبد البر ج16 ص280، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج23 ص368.