ومن ظن أنه ينجو بتقوى أبيه فهو كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه ويروى بشرب
أبيه ويصير عالماً بعلم أبيه، ويصل إلى الكعبة ويراها بمسعى أبيه.
فصل: في غرور أهل العلم
وهم فرق: فمنهم من أحكم العلوم العقلية والشرعية وتعمق فيها وغفل عن
تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطاعات، وغفل عن أن العلم إذا لم يعمل
به كان وزراً ووبالاً ولم يزدد من الله إلا بعداً، و«أن العلم يهتف بالعمل فإن
أجابه وإلا ارتحل»[759]، وأن «أشد الناس
عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه[760]»[761].
ومنهم: من أحكم العلم والعمل
وواظب على الطاعات وترك المعاصي الظاهرة من الجوارح وأهمل تفقد الرئيس ليمحو عنه
المعاصي المهلكة والسموم القاتلة التي تفوت حياة الأبد، كالحسد والرياء والحقد
والكبر والعجب وحب الجاه ونحوها، وربما لم يعرف حقائق هذه الأمور وأقسامها فضلاً
عن علاجها ومعالجتها، وقد أكب على الفضول وترك الفرض، وهو لم يتصف بحقيقة الإنسانية،
ويظن أنه قد بلغ من العلم مبلغاً لا يعذب الله مثله، بل يقبل في الخلق شفاعته وأنه
لا يطالبه بذنوبه لكرامته عند الله.
[759]
عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي: 4 / 66 ــ 67، الجملة الثانية في الأحاديث
المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه/26.