والمال والجاه هو الذي ينقضي
سريعاً، وهو كما مثله الله تعالى:((إِنَّماا مَثَلُ الْحَيااةِ الدُّنْياا
كَمااءٍ أَنزَلْنااهُ مِنَ السَّمااءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبااتُ
الأَرْضِ))[719]، وكل ((تَذْرُوهُ الرِّيااحُ))[720] بالموت فهو ((زَهْرَةَ الْحَيااةِ
الدُّنياا))[721] وكل ما لا يقطعه الموت فهو من ((الْبااقِيااتُ
الصّالِحااتُ))[722].
فمن عرف الكمال
الحقيقي صغر الجاه في عينه، إلا أن ذلك إنما يصغر في عين من ينظر إلى الآخرة كأنه
يشاهدها، ويستحقر العاجلة ويكون الموت كالحاصل عنده.
وأبصار أكثر الخلق ضعيفة تؤثر
الدنيا على الآخرة، كما قال تعالى: ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيااةَ الدُّنْياا (16)
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى))[723] وقال تعالى: ((بَلْ تُحِبُّونَ الْعااجِلَةَ
(20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ))[724].
ومن كان
كذلك فينبغي له العلاج بالعلم بالآفات العاجلة لصاحب الجاه، فإن صاحب الجاه مخاطر
على نفسه وماله، ومحمود مقصود بالإيذاء، مبتلى بالناس خص بالبلاء، من عرفته الناس يقاسي
الشدائد العظيمة، ولأجلها يتمنى الخمول.
ولا يزال ذو الجاه خائفاً على جاهه ومحترزاً من زوال منزلته عن القلوب والقلوب
أشد تغييراً من القدر في غليانه، وهي مرددة بين الإقبال والإعراض، وما يبنى على
قلوب الخلق يضاهي ما يبنى على أمواج البحر، فإنه لا ثبات له.