خادمه من المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس بمذموم،
وكذا حبه لأن يكون له في قلب رفيقه من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته، وكذا
حبه لأن يكون له في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده وتعليمه والعناية به،
وأن يكون له من المحل في قلب السلطان ما يحثُه على دفع الشر عنه، فإن الجاه وسيلة
إلى الأغراض كالمال[717].
الفصل الثاني: في
علاج حب الجاه
إعلم أن من غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق
مشغوفاً بالتودد إليهم، وابتلي بالرياء والسمعة والنفاق والمداهنة والتساهل في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، وعلاجه العلم والعمل:
أما
العلم: أن يعلم أن السبب الذي لأجله أحب الجاه ــ وهو
كمال القدرة على أشخاص الناس وعلى قلوبهم ــ إن صفا وسلم فأخره الموت ولا ينفعه في
الآخرة لو لم يضره، ولو سجد له كل من على وجه الأرض فعن قريب لا يبقى الساجد ولا
المسجود له[718]،
ويكون حاله كحال من مات قبله من ذوي الجاه مع المتواضعين له ، ولمثل هذا لا ينبغي
أن يترك الدين الذي هو الحياة الأبدية التي لا انقطاع لها.
والكمال الحقيقي الذي يقرب صاحبه من الله ويبقى كمالاً للنفس بعد الموت
ليس إلا العلم بالله وبصفاته وأفعاله، ثم الحرية وهي الخلاص من أسر الشهوات. هذا
هو الكمال الباقي بعد الموت والباقيات الصالحات التي تبقى كمالاً للنفس.
[717]
أنظر: الحقايق في محاسن الأخلاق، الفيض الكاشاني: 128 ــ 129، الفصل الثاني. جامع
السعادات، النراقي: 2/ 352 ــ 354، الجاه أحب من المال. إحياء علوم الدين،
الغزالي: 3/248 ــ 249، كتاب ذم الجاه و الرياء، بيان سبب كون الجاه محبوبا.
[718]
تنبيه: المقصود بالمسجود له، هو: من غلب على قلبه حب الجاه، وابتلي بالرياء، كما
هو موضح أعلاه.