نام کتاب : معرفة العقيدة نویسنده : قاسم، عيسى احمد جلد : 1 صفحه : 303
تطرح الآيات الكريمة قضية الرَّيب
الذي قد يعتري بعض النفوس في مسألة البعث، وتُحيل أصحاب هذا الريب على النظر في
قصّة وجودهم، فهم يعرفون من أنفسهم أنهم لم يكونوا ثم كانوا، وأنَّ وجودهم حادثٌ
لا قديم، وأنّهم كانوا أمواتاً ثم صاروا يغنون بالحياة؛ فما من أحد منهم ولا من
غيرهم إلا ويعلم من نفسه أنّه لم يكن وجوداً ولا حياةً ثمَّ كان.
وها هو الإنسان يشهد انبثاقة
الحياة في ما لا يُعدّ ولا يُحصى من الحالات يوميّاً، بل في اللحظة الواحدة في
النوع الإنساني وفي الحيوان والنبات؛ والبداية مادّة التُّراب الخالية من نبضة
حياة، ومن مظهر نموٍّ وحركة، وغنىً فكريٍّ وشعور [1].
ويشهد الإنسان من نفسه كيف تنقله
يد القدرة الإلهية من غير أن يملك من أمره شيئاً، من حال إلى حال، ومن طور إلى
طور، فمن التراب إلى النطفة إلى المضغة المخلّقة وغير المخلّقة، ومن مقر الرحم
والحياة الجنينية التي في الوقت المكتوب المحدَّد، إلى مرحلة الطفولة الدارجة على
وجه الأرض، حتى بلوغ الأشُد [2]، ونهاية
الوفاة التي قد تتقدم، وقد تتأخر حتى أرذل العمر وإلى أن يخسر الإنسان في حياته
الدنيا كلّ ما علم ويسقط منه أكثر الإدراك، وأكثر الشعور.
وأمام الإنسان منظرُ الأرض الهامدة
الجامدة الخاشعة الساكنة فيتنزّل عليها الماء بمقدار فتهتزّ بروح الحياة، وتنهض
بها وتتفزَّز وتنبت من حياتها من كلّ زوجٍ بهيج، وصنفٍ نضير من أصناف الزَّرع
والشجر [3].
[1]. إنّه التراب الذي لا يغنى
بحركة، وليس فيه شيء من حسّ، ثم تراه هذا الإنسان السوي بتفكيره الكبير، ومشاعره
الزخّارة، وطموحاته وآماله، وهادفيته، وحركته في النفس، والفكر والهدف. أليس هذا
إحياءا بعد الموت؟! «منه حفظه الله»
[2]. هذه الرحلة رحلة إرادية؟!
بإرادة أب، بإرادة أم، بإرادة دولة، بإرادة جبابرة الأرض، بإرادة الشخص نفسه؟!
إنها بإرادة الله وحده سبحانه وتعالي. «منه حفظه الله»