ولم يزل الأذان
بحلب يزاد فيه « حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر » إلى أيّام نور الدين
محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ
بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من
الفقهاء ، وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع[842] ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما
أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك .
وأمّا مصر فلم يزل
الأذان بها على مذهب القوم [ يعني الشيعة الفاطميين ] إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب
بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن
الأشعري ، فأبطل الأذان بـ « حيّ على خير العمل » وصار يؤذّن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ،
فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة
في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم[843]
ومما يجب الإشارة
إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة 356 هـ اتّسعت وشملت حلب
وانطاكيه وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ، وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولى بعده أخوه ناصر الدولة .
وكانت دولة شيعية اثني عشريّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر .
[842] يعني به الذي ليس فيه « حيّ على
خير العمل ، المفسر بمحمد وعلي خير البشر » !