المراد ما هو المتفاهم منه عرفا و ما هو معناه لغة و لهذا وصفه بالحسن. و لا ملازمة بين الصوت الحسن و الغناء و إن لم يتّصف الصوت بالحسن إلّا بتناسب بين قرعاته، لكن ليس كلّ صوت متناسب قرعاته غناء، ضرورة أنّ الألحان العربيّة متناسبة القرعات و مع ذلك لا تكون غناء كما جعلت مقابله في الرواية المتقدّمة و يشهد به الوجدان.
و المراد بالترجيع في موثّقة أبي بصير ليس ترجيع الغناء كما تفسّره الرواية المتقدّمة، و لو حمل على ترجيع الغناء صارت معارضة لجميع الروايات الدالّة على تحريم الغناء بل يصير مضمونها مخالفا للإجماع [1] و الضرورة، فإنّ الظاهر من التعليل أنّ الصوت الحسن الذي يرجّع به ترجيعا محبوب عند اللّه، فلو كان المراد به الغناء لزم منه أن يكون الغناء كذلك، و هو كما ترى.
و حملها على الغناء في القرآن بتقييدها بالأدلّة المتقدّمة [2] غير وجيه، لأنّه مضافا إلى منافاته للتعليل الظاهر في إلقاء الكبرى الكليّة مستلزم للتقييد الكثير المستهجن و إن قلنا بجوازه في العرائس و الحداء.
فلا شبهة في أنّ المراد بترجيع القرآن الصوت الحسن في مقابل ترجيع الغناء، و هو الذي يحبّه اللّه تعالى و ورد به ترغيب أكيد، و هو الذي
حكي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: «لم تعط أمّتي أقلّ من ثلاث: الجمال و الصوت الحسن و الحفظ» [3].
فإنّ الغناء ليس من إعطاء اللّه تعالى ابتداء بل لا بدّ فيه من التعلّم، و الظاهر من الرواية أنّه كالجمال و الحفظ.