برغم أنّ عالم الطبيعة مظهر لتجلي الحق تعالى إلا أنّه صدهم عن ذلك المشهد الباطني وتلك المرتبة السامية، لذا نراهم يصرخون ويستغيثون، وهذه مسألة لانتمكن من إدراكها؛ نحن نتصور أنّ ما يتحدث به الفلاسفة والعرفاء والحكماء نموذج لما يجري على ولي الله الأعظم وأوليائه البررة، إنّ مسألة العرفان والفلسفة والحكمة مسائل علمية جميعاً، وهي علوم تتباين معانيها عما يجب أن يكون، وإدراك المطلوب مسألة أخرى، والانصراف الى هذه الأمور والانغماس فيها مسألة أرفع، والذوبان في كل تلك القضايا مرتبة أسمى، ومرحلة الصعق أسمى المراحل، والرجوع عن تلك المراحل شاق ومؤلم جداًبالنسبة لهم، إذ إنّ الرجوع من مرتبة الغيب ومن لقاء الله جل وعلا الىهذا العالم أمر في غاية الصعوبة.
جرى هذا الموضوع لكل أولياء الله من آدم حتىرسول الله (ص)، وهذا مالايمكننا إدراكه، حيث إنّنا لاندرك سوىما يتعلق بهذا العالم من الأمور الطبيعية التي منها العرفان والحكمة والفسلفة، فكلها أمور طبيعية، ونحن لانتجاوز هذه الدائرة، أما غاية آمال العارفين فكانت تتعلق بما ذكر، وما عسانا قائلين بحق هذا الامام؟
بديهي أنّهم لما يعودون الىالكثرة يتحملون تلك المصائب الفادحة والمرهقة التي ترد عليهم وعلىعامة المسلمين، بيد أنّ مصائبهم المعنوية تفوق جميع المصائب؛ لأنّ الرجوع من عالم الصعق الىعالم الصحو ومن عالم المحو الىعالم الصحو شاق وعسير جداً، لكنّهم حينما رجعوا وبما أنّهم مظهر الرحمة الالهية يرغبون أن تعم السعادة البشرية.
عندما يرىالأولياء الناس يسيرون نحو جهنم أفواجاً وزرافات، ويهيء كل حزب مقدمات دخوله الىجهنم يتألمون لذلك، لدرجة أنّهم يتألمون من دخول الكفار النار؛ لأنّهم بعثوا رحمة للعالمين.
و عندما يلاحظون ولادة حكومة العدل يتألمون كثيراً أيضاً لالنفس الحكومة أو لأنفسهم، بل لأنّهم يرومون إيصال البشر الىالعدالة والبشر لايخضعون، وهذا موجود من بداية الخلقة الى آخر الزمان.
نهضة الأنبياء لإيجاد حكومة العدل
كل من نهض لإقامة العدل تعرض لصفعة وضربة قوية، فلما نهض ابراهيم الخليل (ع) لإقامة العدل ألقي في النار، ولم تتوقف القضية عند هذا الحد بل دفع الأولياء ثمن ابتغاء إقامة حكومة العدل منذ بداية الخلقة لحد الآن، كل زمن بطريقة تناسبه.
هب أنّ هذا الكلام غير صحيح ومخالف للواقع، فلم ينهض الأنبياء والأولياء لإقامة العدل، بل قاموا بالوعظ والارشاد فقط ولم يحاربوا أبداً، لكنّكم تلاحظون أنّ الأوثان كانت أقدس ما في وجود الكفار آنذاك، وقام النبي ابراهيم (ع) بكسرها.