[1]. كان فيه اضطراب لان حماد بن عيسى يروى عن
حريز بلا واسطة في جميع ما يروى عنه، و الصواب كما في الخصال و البحار و غيرهما عن
حماد بن عيسى عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام و كان حريز من أصحاب أبي
عبد اللّه و موسى بن جعفر عليهما السلام و قال يونس: انه لم يرو عن أبي عبد اللّه
عليه السلام إلا حديثين، و هو لم يدرك أبا جعفر الباقر عليه السلام.
[3]. جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من
الطريقين و اشتهرت بين الناس و أرسلها جماعة من المؤلّفين ارسال المسلّمات و
نقلوها في مصنفاتهم دون أي نكير، و هي كما ترى تضمنت أمرا غريبا بل منكرا لا يجوز
أن ينسب الى أحد من أوساط الناس و السذج منهم فضلا عن مثل عبد المطلب الّذى كان من
الاصفياء و هو في العقل و الكياسة و الفطنة على حد يكاد أن لا يدانيه أحد من
معاصريه، و قد يفتخر النّبى صلّى اللّه عليه و آله مع مقامه السّامى بكونه من
أحفاده و ذراريه و يباهى به القوم و يقول: أنا النبيّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب.
و في الكافي روايات تدلّ على
عظمته و جلالته و كمال ايمانه و عقله و درايته و رئاسته في قومه ففى المجلد الأول
منه ص 446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال« يحشر عبد المطلب
يوم القيامة أمّة واحدة، عليه سيماء الأنبياء و هيبة الملوك» يعنى إذا حشر الناس
فوجا فوجا يحشر هو وحده، لانه كان في زمانه منفردا بدين الحق من بين قومه كما--
قاله العلّامة المجلسيّ- رحمه اللّه- و في حديث آخر رواه الكليني أيضا مسندا عن
الصادق( ع) قال:« يبعث عبد المطلب أمة واحدة عليه بهاء الملوك، و سيماء الأنبياء،
و ذلك أنّه أول من قال بالبداء» و في الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد اللّه( ع)
قال:« كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة، لا يفرش لاحد غيره، و كان له ولد
يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه»، الى أمثالها الكثير الطيب كلها تدلّ على
كمال ايمانه و عقله و حصافة رأيه و ان أردت أن تحيط بذلك خبرا فانظر الى تاريخ
اليعقوبي المتوفى في أواخر القرن الثالث ما ذكر من سننه التي سنّها و جاءت بها الإسلام
من تحريمه الخمر، و الزنا و وضع الحدّ عليه، و قطع يد السارق، و نفى ذوات الرايات،
و نهيه عن قتل الموؤدة، و نكاح المحارم، و اتيان البيوت من ظهورها، و طواف البيت
عريانا، و حكمه بوجوب الوفاء بالنذر و تعظيم الأشهر الحرم، و بالمباهلة، و بمائة
إبل في الدية ثمّ تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة
المهدمة كيف حفظ بحسن تدبيره و سديد رأيه قومه و دماءهم و أموالهم من الدمار و
البوار دون أي مئونة و قال: أنا ربّ الإبل و لهذا البيت ربّ يمنعه» مع أن الواقعة
موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين، فإذا كان الامر كذلك فكيف يصحّ
أن يقال: انّه نذر أن يذبح سليله و ثمرة مهجته و قرة عينه قربة إلى اللّه سبحانه،
و أنّى يتقرّب بفعل منهىّ عنه في جميع الشرائع و القتل من أشنع الأمور و أقبحها، و
العقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات، مضافا الى كل ذلك أن النذر بذبح
الولد قربانا للمعبود من سنن الوثنيين و الصابئين و قد ذكره اللّه تعالى في جملة
ما شنّع به على المشركين و قال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم و
مفترياتهم:« كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ
أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَ
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ»(
الانعام: 137) و هذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعملون
به، فان المفهوم من ظاهر لفظ الاولاد أعم من الذكور منهم و البنات و الوأد مخصوص
بالبنات، و أيضا غير قتلهم أولادهم من املاق أو خشيته، بل هو عنوان آخر يفعلونه
على سبيل التقرّب الى الالهة. فان قيل: لعله كان مأمورا من جانب اللّه سبحانه كما
كان جدّه إبراهيم( ع) مأمورا، قلنا: هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات فانّه صرّح
في جميعها بأنّه نذر، مضافا الى أنّه لو كان مأمورا فلا محيص له عنه-- و يجب عليه
أن يفعله كما أمر، فكيف فداء بالابل، و لم لم يقل في جواب من منعه- كما في
الروايات-: انّى مأمور بذلك.
و بالجملة في طرق هذه القصة و ما
شاكلها مثل خبر« أنا ابن الذّبيحين» جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين أو
على غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمدانيّ المعروف بابن عقدة و هو زيدى جارودى،
أو أحمد بن الحسن القطان و هو شيخ من أصحاب الحديث عامى و يروى عنه المؤلّف في
كتبه بدون أن يردفه بالرضيلة مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها ان كانوا اماميا، و
كذا محمّد بن جعفر بن بطة الذي ضعّفه ابن الوليد و قال: كان مخلّطا فيما يسنده، و
هكذا عبد اللّه بن داهر الأحمرى و هو ضعيف كما في( صه و جش) و أبو قتادة و وكيع بن
الجرّاح و هما من رجال العامّة و رواتهم و لا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفا لاصول
المذهب و ان كانوا يسندون خبرهم الى أئمة أهل البيت عليهم السلام، و أنّك إذا
تتبّعت أسانيد هذه القصة و ما شابهها ما شككت في أنّها من مفتعلات القصّاصين و
مخترعاتهم نقلها المحدّثون من العامّة لجرح عبد المطلّب و نسبة الشرك- العياذ
باللّه- اليه رغما للامامية حيث انّهم نزهوا آباء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن
دنس الشرك، و يؤيّد ذلك أنّ كثيرا من قدماء مفسّريهم كالزمخشريّ و الفخر الرّازى و
النيشابورى و أضرابهم و المتأخرين كالمراغى و سيّد قطب و زمرة كبيرة منهم نقلوا
هذه القصّة أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالى« وَ كَذلِكَ زَيَّنَ
لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» و جعلوا عبد المطلب مصداقا
للآية انتصارا لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النّبى صلّى اللّه عليه و
آله و أجداده. قال العلّامة المجلسيّ- رحمه اللّه-:
اتّفقت الإماميّة- رضوان اللّه
عليهم- على أن والدى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و كل أجداده الى آدم عليه
السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصّديقين إمّا أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين،
ثمّ نقل عن الفخر الرّازى أنّه قال:« قالت الشيعة ان أحدا من آباء الرسول صلّى
اللّه عليه و آله و أجداده ما كان كافرا» ثم قال: نقلت ذلك عن امامهم الرازيّ
ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين». و ان قيل:
لا ملازمة بين هذا النذر و بين الشرك، و يمكن أن يقال ان نذر عبد المطلب كان للّه
و امّا المشركون فنذروا لآلهتهم، قلت: ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن
المشركين دون الموحدين فالناذر اما مشرك أو تابع لسنن الشرك و جلّ ساحة عبد المطلب
أن يكون مشركا- العياذ باللّه- أو تابعا لسنن-- المشركين، و الاصرار بتصحيح أمثال
هذه القصص مع نكارتها كثيرا ما يكون من الغفلة عمّا جنته يد الافتعال، ثمّ اعلم أنّ
المصنّف- رضوان اللّه تعالى عليه- لم يحتجّ بهذا الخبر في حكم من الاحكام انّما
أورده في هذا الكتاب طردا للباب و يكون مراده جواز القرعة فقطّ و هو ظاهر من
الخبر.
نام کتاب : من لا يحضره الفقيه نویسنده : الشيخ الصدوق جلد : 3 صفحه : 89