وَ أَيِّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ فَكَانَ فِي آخِرِ حَرْبِهِ أَشَدَّ أَسَفاً وَ غَيْظاً وَ قَدْ خَذَلَهُ النَّاسُ[1] قَالَ فَمَا الْحِفْظُ قَالَ هُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْعَقْلَ لَمْ يُخْبِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ ص بِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا حَفِظَهُ وَ لَا نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَطُّ إِلَّا وَعَى بِهِ وَ لَا نَزَلَ مِنْ أَعَاجِيبِ السَّمَاءِ شَيْءٌ قَطُّ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ فِيهِ وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ[2] وَ أَتَى يَوْماً بَابَ النَّبِيِّ ص وَ مَلَائِكَتُهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَ هُوَ وَاقِفٌ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَلَّمَ عَلَيْكَ أَرْبَعُ مِائَةِ مَلَكٍ وَ نَيِّفٍ قَالَ وَ مَا يُدْرِيكَ قَالَ حَفِظْتُ لُغَاتِهِمْ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ مَلَكٌ إِلَّا بِلُغَةٍ غَيْرِ لُغَةِ صَاحِبِهِ قَالَ السَّيِّدُ[3]
فَظَلَّ يَعْقِدُ بِالْكَفَّيْنِ مُسْتَمِعاً
كَأَنَّهُ حَاسِبٌ مِنْ أَهْلِ دَارِينَا
أَدَّتْ إِلَيْهِ بِنَوْعٍ مِنْ مُفَادَتِهَا
سَفَائِنُ الْهِنْدِ يَحْمِلْنَ الرَّبَا بِينَا[4]
قَالَ ابْنُ دَأْبٍ وَ أَهْلُ دَارِينَا قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى أَهْلِ الشَّامِ أَوْ أَهْلُ جَزِيرَةٍ أَهْلُهَا أَحْسَبُ قَوْمٍ.
ثُمَّ الْفَصَاحَةُ وَثَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا سَمِعْنَا أَحَداً قَطُّ أَفْصَحَ مِنْكَ وَ لَا أَعْرَبَ كَلَاماً مِنْكَ قَالَ وَ مَا يَمْنَعُنِي وَ أَنَا مَوْلِدِي بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ دَأْبٍ فَأَدْرَكْتُ النَّاسَ وَ هُمْ يَعِيبُونَ كُلَّ مَنِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِ الْكَلَامِ الَّذِي يُشْبِهُ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ[5] وَ يَعِيبُونَ الرَّجُلَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ يُدْخِلُ فِي كَلَامِهِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فَأَدْرَكْتُ الْأُولَى وَ هُمْ يَقُولُونَ كَانَ ع يَقُومُ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ مُنْذُ ضَحْوَةٍ[6] إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ لَا يُدْخِلُ فِي كَلَامِهِ غَيْرَ الَّذِي تَكَلَّمَ
[1] هذه الخطبة مروية في البيان و التبيين ج 2 ص 56 و تاريخ الطبريّ ج 4 ص 67 و نهج البلاغة بتغييرات.
[2] الحاقّة: 11.
[3] أراد به السيّد إسماعيل الحميري المعروف مادح أهل البيت.
[4] الربا بين جمع ربّان- بضم الراء و شد الباء الموحدة- هو رئيس الملّاحين. و في بعض النسخ[ سفائن الهند يعلقن الربابينا].
[5] هكذا في النسختين و في البحار.
[6] الضحوة: ارتفاع النهار بعد طلوع الشمس.