و نقل أيضا عن صاحب «المثل السّائر» انّه قال بعد ان شدّد النّكير، و بالغ فى التّشيع، على الذين يستكثرون فى كلامهم من الألفاظ الغريبة المحتاجة إلى التفتيش و التّفنير فى كتب اللّغة، و أورد أبيات السّموئل المشهورة الّتى أوّلها:
إذا المرء لم يدنس من اللّوم عرضه
فكلّ رداء يرتديه جميل
فإذا نظرنا إلى ما تضمنته من الجزالة خلناها زبرا من الحديد، و هى مع ذلك سهلة مستعذبة غير فظّة و لا غليظة. إلى ان قال: هذا العبّاس بن الأحنف قد كان من أوائل الشّعراء فى الإسلام، و شعره كمرّ كممرنسيم (النّسيم) على عذبات أغصان أو كلؤلوء طلّ على طرر ريحان، و ليس فيه لفظة واحدة [غريبة] يحتاج إلى استخراجها من كتب اللّغة، فمن ذلك قوله:
و إنّى ليرضيني قليل نوالكم
و إن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بينى و بينكم
من الودّ إلّا عدتم بجميل
و هكذا ورد قوله فى فوز الّتى كان يشبّب بها فى شعره:
يا فوز يا منية عبّاس
قلبى يفدى قلبك القاسى
أسأت إذ أحسنت ظنّى بكم
و الحزم سوء الظّنّ بالنّاس
يقلقنى شوقى فآتيكم
و القلب مملوء من الياس
و هل شىء اعذب من هذه الالفاظ، و أرشق من هذه الابيات و اغلق فى الخاطر و أسرى فى السّمع، و لمثلها تخف رواجح الأوزان و على مثلها تسهر رواقد الأجفان و عن مثلها يتأخّر السّوابقّ عنه من الرهان[1] إلى آخر ما ذكره.