و ذكر ايضا انّ العبّاس بن الأحنف كان اذا سمع الشّعر الجيّد ترنّح له اى تميل بنفسه يمينا و شمالا مثل من تناول المسكر و استخفه الطّرب.
ثمّ قال قال اسحاق بن ابراهيم الموصلى جاءنى يوما فانشدته لابن الدمينة الاياصبا نجد متى هجت من نجد
الأبيات الخمسة فتمايل و ترنح و طرب و تقدّم الى عمود هناك و قال انطح هذا العمود برأسى من حسن هذا الشّعر.
و نقل ايضا عن الصّولى عمّن اخبره قال اخرجنا للحجّ فعرجنا عن الطّريق للصّلاة فجائنا غلام فقال هل فيكم أحد من أهل البصرة فقلنا كلّنا منها فقال: انّ مولاى منها و هو مريض يدعوكم قال فقمنا إليه فاذا هو نازل على عين ماء فلمّا احسّ بنا رفع رأسه و هو لا يكاد يرفعه ضعفا و انشأ يقول:
يا بعيد الدّار عن وطنه
مفردا يبكى على شجنه
كلّما جدّ الرّحيل به
زادت الأسقام فى بدنه
ثم اغمى عليه طويلا فجاء طائر فوقع على شجرة كان مستظلّا بها و جعل يغرّد ففتح عينيه و جعل يسمع التّغريد ثمّ أنشاء:
و لقد زاد فى الفؤاد شجى
طائر يبكى على فننه
شفّه ما شفّني فبكى
كلّنا يبكى على سكنه
ثمّ تنفّس الصّعداء ففاضت نفسه قال فغسلناه و كفنّاه و دفناه و سألنا الغلام عنه فقال هذا العبّاس بن الاحنف[1] و كانت وفاته فى سنة ثلاث و تسعين و مأة و كان لطيف الطّبع خفيف الرّوح دقيق الحاسة حسن الشّمائل جميل المنظر عذب الألفاظ كثير النّوادر انتهى ما نقلناه عن «الكشكول» و سوف يأتى فى ترجمة ابن المعتز انشاء اللّه تعالى ما يدلّ