العوالم فيتلبس بالصورة التى له فى ذلك المقام و العالم فان له فى كل موطن و
مقام صورة يناسب الموطن و المقام , ثم يجتمع به فاذا انتهى حكم قصيده من ذلك
الاجتماع نزل على الرقيقة الرابطة بين تلك الصورة و بين صورته الجامعة إلى صورته
.
و الضرب الاخر الأعلى هو أنه متى أراد الاجتماع بأحد و لو كان فى الأموات نظر
الى المقام الذى قبض فيه , و إلى مستقره من البرازخ فأنشأ من باطنه صورة
روحانية مثالية و أسراها على الرقيقة النسبية المثبتة للمناسبة الرابطة بينه و
بين ذلك المقام أو المحل و استدعى المطلوب حضوره فينزل اليه طوعا إن كان عارفا
بكماله , و له السراح من حبوس البرازخ , و يأتيه فى صورة روحانية مثالية
يقتضيها حاله . و إن كان من محابيس البرازخ نزل قهرا بصفة المستدعى و قهره . و
إن كان الأمر واقعا بين كاملين فالشأن بحسب الأقوى منهما حالا و أكملهما , و
بحسب
التأدب المرعى بينهما أيضا . و لكامل الوقت من حيث سلطنته الحاضرة الدولة
فانه صاحب المنصب و المتمكن مطلقا فى الحالة الذاهبة . و من هذا المقام قيل
لنبينا - صلى الله عليه و آله و سلم - :
( و اسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا)
فانه لو لم يتمكن من الاجتماع بمن أمر بالمسئول عنه ما أمر . و لا تتأول فان
الأمر على ظاهره اى و الله و عن رؤية و يقين اخبرت فاذكر]( [1] .
و من التأييدات فى ما نحن بصدد بيانه فى هذه العين , قول صاحب الأسفار من
ان الله - تعالى - قد خلق النفس الانسانية بحيث يكون لها اقتدار على ايجاد صور
الأشياء المجردة و المادية لأنها من سنخ الملكوت و عالم القدرة و السطوة , و
الملكوتيون لهم اقتدار على إبداع الصور العقلية القائمة بذواتها و تكوين الصور
الكونية القائمة بالمواد , و كل صورة صادرة عن الفاعل فلها حصول له , بل حصولها
فى نفسها نفس حصولها لفاعلها [2] .
و قوله الاخر فى ذلك أيضا من أن بعض النفوس قد يبلغ فى القوة و الشرف إلى
حيث يقوى تصوراته وجودا و ظهورا حتى يقوم وجودها مقام الوجود العينى فيبرى ء
المرضى , و يمرض الأشرار , و يقلب عنصرا إلى عنصر آخر حتى يجعل غير النار نارا
و يحرك أجساما عجزت عن تحريكها نفوس ابناء النوع , كل ذلك باهتزاز علوى و
تأييد ملكوتى و طرب معنوى [3] .