بيان : قال الشيخ فى السؤال الرابع و الخمسين من الباب الثالث و السبعين من
الفتوحات([ : فأما حديث الله فى الصوامت فهو عند العامة من علماء الرسوم
حديث حال , أى يفهم من حاله كذا و كذا حتى أنه لو نطق بما نطق لنطق بما فهمه
هذا الفاهم منه . قال القوم فى مثل هذا : قالت الأرض للوتد لم تشقنى ؟ قال
الوتد لها : سلى من يدقنى . فهذا عندهم حديث حال و عليه خرجوا قوله - تعالى :
( و إن من شى ء إلا يسبح بحمده)
, و قوله :
( إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها)
[2] إباية حال . و أما عند اهل الكشف فيسمعون نطق كل شى ء من جماد و نبات
و حيوان يسمعه المقيد باذنه فى عالم الحس لا فى الخيال , كما يسمع نطق المتكلم
من الناس و الصوت من أصحاب الصوت . فما عندنا فى الوجود صامت أصلا بل الكل
ناطق بالثناء على الله , كما أنه ليس عندنا فى الوجود ناطق اصلا من حيث عينه ,
بل كل عين سوى الله صامتة لا نطق لها , إلا أنها لما كانت مظاهر كان النطق
للظاهر , قالت الجلود انطقنا الله الذى أنطق كل شى ء . فالكلام فى المظاهر هو
الأصل , و الصمت فيها عرض يعرض فى حق المحجوب , و الصمت فى الأعيان هو
الأصل
و الكلام المسموع منها عرض يعرض فى حق المحجوب . فلأصحاب الحرف و الصوت
عذر عند هؤلاء , و لمنكرى الصوت و الحرف عذر عند هؤلاء]( .
فبما نقلنا من كلام الشيخ فى الحالين يجب الفرق بينهما فى المقامين . و ذلك
لأنه قال فى اول المقامين( : ثم بوجدان نفسه و روحه ساريا فى عين كل مرتبة و
حقيقة كل موجود حالا لا علما و شهودا فقط) و قال فى ثانيهما( : و ليس هذا
التسبيح بلسان الحال كما يقوله أهل النظر ممن لا كشف له) ثم بينه فى السؤال
من الباب المذكورين بقوله([ : فهو عند العامة من علماء الرسوم حديث حال -
الى
قوله( : إباية حال) . فالحال الأولى هو وجدان أرفع و أشمخ من العلم و
الشهود
, و الثانية عامية كما يقال إن لسان حال فلان كذا فالتفاوت بين الحالين هو
التفاوت
بين ذوى الحالين .
قوله( : هذا شأن من تحقق بالمراتب الثلاث) أى مراتب الايمان و الايقان و
العيان ,