فالنفس غير معدومة حتى يقال هذا المعدوم يعود بعينه او بمثله و البدن يعدم , و
لكن اذا اعيد بمثله - كما قيل - و النفس تلك النفس لم يكن المجموع معادا
بمثله , بل الذى كجلبابها مثل الجلباب الأول , بل ان سألت عن الحق فالبدن
ايضا
عين البدن الأصول و ان لم يعد بعينه لأن التميز غير التشخص , و التشخص
بالنفس
و بالوجود , و النفس واحدة بعينها , ألا ترى أن زيدا من اول عمره الى آخره كم
يرد عليه من التبدلات و التميزات بحسب اسنانه المختلفة من الصبا و الشباب و
الكهولة و الشيخوخة بمراتبها و مع ذلك هو هو بعينه , و ذلك لأن تشخصه بنفسه و
هى باقية , و لو جنى فى الشباب و عوقب فى المشيب لم يعدل عن المعدلة .
هذا اذا قلنا إن البدن المعاد مثل المبتدء . و أما اذا قلنا : إن ذلك عين هذا
و هو الحق فنقول : إن شيئية الشى ء بصورته و الصورة لم تعدم , بل باقية دهرا و فى
علم الله الذى لا يتغير . و حاصل معنى عدمها أنها مرهونة بوقت خاص و لكل أجل
مخصوص , ثم بعد اجلها خلعت المادة تلك الصورة و لبست صورة أخرى , و صورة
بصورة لا تنقلب , و الصورة البرزخية و الأخروية فى طول الصور الدنيوية لا فى
غرضها لأن تلك كمال هذه و غايتها و الغايات فى طول المغيات , و الوصول الى
الغايات بنحو التحول كما أن النفس اذا كملت اتصلت بالعقل الفعال اتصالا
معنويا , و الروح المضاف تحول روحا مرسلا , كذلك الصورة اذا اكملت و رفضت
الهيولى تحولت صورة برزخية , و لا يرتفع تشخصها بنفض غبار الهيولى عن ذيلها ,
إذا الهيولى ليست إلا قوة صرفة و القوة ليست شيئا متحصلا فضلا عن أين يكون مشخصا
, و الهيولى امر مبهم و القوة عدم إلا أنها عدم شأنى و لهذا كانت الاخرة يوم
الحصاد لا يوم الزراعة , لذا تمنى الكافر ياليتنى كنت ترابا تمنى امر محال . و
لو فرضت ارتفاع الهيولى من هذا العالم الطبيعى , و الكل بحالها من الصورة
الجسمية و الصورة النوعية و المقادير و الأشكال و الألوان و نحوها و النفوس و
العقول كان مثل عالم الاخرة و لم يرتفع الهويات و الهذيات بمجرد ارتفاع شى ء
كاللاشى ء , فعالم الاخرة لما كان تاما يشذ عنه شى ء مما هو فعليه هذا العالم ,
كيف و ذلك كما هذا و غايته . و الاستكمال لبس ثم لبس و ربح ثم ربح , لا خلع
ثم لبس , و خسران ثم ربح , فليأخذ عقلك جميع العالم الذى من الله و الى الله
و يقال له الانسان الكبير كانسان واحد متوجها الى الغاية طولا من الظاهر الى
الباطن متحولا صورها الى الصور الصرفة الباقية , و ارواحها المضافة الى الأرواح
المرسلة استشعارا و تأصلا أم لا , و حينئذ رأيت الجميع من المكانيات و
الزمانيات من الماضيات و الغابرات كفتايل اطفئت سرجها , و تلك الصور
الصرفة المنفوخ فيها نفخة مشعلة موقدة كقناديل اشتعلت و انيرت