قد عد بعضهم المذاهب فى حقيقة النفس أربعة عشر مذهبا , و قال بعضهم : قيل فى
النفس أربعون قولا , و قال آخر : اختلف الأولون و الاخرون على مر الأيام و
الأعوام
فى النفس الناطقة , على زهاء مائة قول . و الحق أن النفس جوهر مجرد عن المادة
الجسمانية و عوارضها على مراتب التجرد , و لها تعلق بالبدن , تعلق التدبير و
التصرف الاستكمالى , و البدن مرتبتها النازلة . و الاراء الأخرى إما باطلة , أو
مأولة الى الحق .
ه - عين فى أن النفس الانسانية بل الحيوانية غير الجسمية و المزاج :
لو كان المزاج هو النفس , لكان يجب أن يكون المزاج موجودا قبل المزاج , اذ كان
هو الغاية المحركة للعناصر الى الامتزاج , بل النفس حافظة للمزاج . و ايضا
الانسان فيه قوة تدرك المعقولات , و مدرك المعقولات لا يصح أن يكون جسمانيا , فلا
يصح أن يكون تلك القوة مزاجا .
و - عين فى أن النفس داخلة فى مقولة الجوهر :
العين الثالثة تفيد جوهريتها ايضا , و كذلك أدلة تجردها مطلقا . و ايضا إذا
تركب أمر من أمرين تركيبا طبيعيا أحدهما معلوم الجوهرية , و الاخر مشكوكها , و
أردت أن تعرف هل هو جوهر صورى أو عرض تابع ؟ فأنظر الى مرتبته فى الوجود , و
درجته فى القوة و الضعف : فان كان وجوده أقوى من وجود ما انضم اليه و الاثار
المرتبة عليه اكثر , فاعلم أن نسبة التقويم العلية اليه أولى من نسبة التقويم
المعلولية اليه بالقياس الى قرينة , بعد أن يثبت عندك أنه لابد فى كل تركيب
نوعى أو صنفى من ارتباط ما , و علية و معلولية ما بين جزئيه , فيعلم أن نسبة
الجوهرية اليه أولى , لأن مقوم الجوهر أولى بالجوهرية . و ان كان ذلك الأمر
أضعف تحصلا و أخس وجودا , فاعلم أن المضموم اليه مستغنى القوام عنه , فيجب
أن يكون هذا متأخر الوجود عنه فيكون إما مادة له أو عرضا قائما .
فنقول : لما كان جوهرية البدن مسلمة , و البدن قائم بالنفس , فمقوم الجوهر
أولى بالجوهرية .
ز - عين فى أن البدن مرتبة نازلة للنفس
: النفس تمام البدن , يحصل منها و من المادة البدنية نوع كامل جسمانى . و جوهر
النفس باعتبار ربوبيته للبدن يسمى روحا , و البدن