بنطاسيا اسم الخيال أيضا و على هذا جرى جواب قولهم فى الاحتجاج على أن الرؤية
بالانطباع : بأن الناظر إلى عين الشمس و إلى الخضرة الشديدة مثلا إذا أمعن نظره ثم
غمض عينيه يجد من نفسه كأنه يشاهد ذلك و هو يدل على ارتسام المرئى فى الباصرة
و بقائه فيها زمانا .
و اجيب أن صورة المرئى باقية فى الخيال لا فى الباصرة . و الشارح القوشجى غفل
عن ذلك فاعترض على هذا الجواب بقوله فى شرح التجريد , أقول : بين التخيل و
المشاهدة فرق بين , و الارتسام فى الخيال هو التخيل دون المشاهدة , و لا شك ان
تلك الحالة حالة المشاهدة لا حالة التخيل . فالصواب أن يقال فى الرد : صورة
المرئى فى تلك الحالة باقية فى الحس المشترك . انتهى كلام القوشجى]( .
أقول : مراد الشيخ أن ما قاله القوشجى آخرا من أن الصواب أن يقال ان صورة
المرئى فى تلك الحالة باقية فى الحس المشترك , هو ما قاله القوم أولا ان صورة
المرئى باقية فى تلك الحالة فى الخيال أى فى بنطاسيا أى فى الحس المشترك .
فاعتراض القوشجى وارد على نفسه حيث غفل عن أن الخيال فى المقام هو الحس
المشترك .
و اعلم أن الخيال عند الاطباء أيضا يطلق على ما فى البطن المقدم من الدماغ
مطلقا
. و هذا البطن هو موضع الحس المشترك و خزانته , فالخيال عند الاطباء يطلق على
الحس المشترك ايضا .
قال الشيخ فى الفصل التاسع من نفس الاشارات فى بيان مواضع آلات القوى
الباطنة( : و إنما هدى الناس إلى القضية بأن هذه هى الالات أن الفساد اذا
اختص بتجويف أورث الافة فيه) .
و قال المحقق الطوسى فى شرحه عليه( : هذا استدلال متعلق بالطب على كون هذه
الأعضاء مواضع لهذه القوى . و الطبيب لا يميز بين المدرك و الحافظة و لا
يتعرض
لاثبات الوهم انما يتميز هذه التميزات الحكيم . فالقوى عند الأطباء ثلاث :
خيال
و آلته البطن المقدم , و فكر و آلته البطن الأوسط المسمى بالدودة , و ذكر و
آلته البطن الأخير) .
و نقلنا هذا الكلام من الاشارات و الشرح تأييدا لصاحب الكشكول .
فدريت من التبصرتين ان الخيال يطلق على بنطاسيا أى الحس المشترك , و على
خزانته , و على المتخيلة , و المراد من المقام هو معنياه الأخيران و ان كان
كلماتهم منصرفة إلى الأوسط منها , و ان كان قوى النفس كلها من شئونها على
التحقيق فتدبر حق التدبر .