قال فى الموضع الثانى منهما( : الحق عندنا أن النفس هى المدركة جميع
الادراكات بجميع المدركات و هى المحركة بجميع الحركات الطبيعية و الارادية . و
هذا لاينافى وجوب توسط هذه القوى المتعددة المتخالفة التى بعضها من باب
الادراك , و بعضها من باب التحريك لأن القوة العالية لا تفعل الفعل الذانى إلا
بمتوسط . إلا ترى أن المزاول للتحريك المكانى أو الوضعى لا بد و أن يكون قوة
سارية فى الجسم , بخلاف المزاول للتحريك الشهوى , بل الانتقال الفكرى ارفع قدرا
من التجسم , و ان المباشر للادراك مطلقا لابد و أن يكون قوى مجردة على تفاوت
تجردها بحسب تفاوت ادراكاتها فالعقلية أشد ارتفاعا و اعلى مقاما , و الحسية
سيما اللمسية منها أدون درجة و اشد هبوطا من الجميع . فاذا كان كذلك فوجب فى
صدور هذه الاثار المختلفة إما تعدد القوى المتخالفة , أو تحقق درجات متفاوتة
لذات واحدة . و كل طبقة وجودية حقيقتها و ما يترتب عليها متفقة سواء كانت
منفصلة عن غيرها أو متصلة به . فالغاذية على اختلاف انواعها حقيقة واحدة سواء
كانت نفسا عليحدة , أو قوة من قوى نفس , أو جزء من أجزاء نفس . و كذا
اللامسة على اختلافها طبيعة واحدة سواء كانت مستقلة كنفس الدود و الخراطين فان
نفسهما الحيوانية هى اللامسة بعينها .
أو قوة وجودية من قوى النفس الحيوانية أو الانسانية أو جزء من أجزائها
المعنوية . و هكذا الحكم فى جميع القوى المدركة و المحركة . فكما أن قوة الابصار
و إن فرض أنها متخالفة الانواع فى انواع الحيوان لكنها مشتركة فى حقيقة واحدة .
فكذا قوة السمع و الشم و الذوق و التغذية و التنمية و غيرها من القوى الحيوانية
سواء وجدت مجتمعة فى قوة جامعة لها أو متفرقة .
مثال اجتماع القوى فى قوة واحدة كاجتماع الحواس الخمس الظاهرة فى الحس
المشترك المسمى فى لغة اليونان ببنطاسيا . و كذلك النفس الناطقة التى للانسان
جامعة مع بساطتها لجميع القوى المدركة و المحركة لا بمعنى أن تلك الالات هى
المبادى ء للادراكات و الحركات بالحقيقة دون ذات النفس إلا على وجه التوسيط و
الاستخدام , بل النفس هى حس الحواس كلها , و المباشرة للحركات الفكرية
و الطبيعية و الاختيارية لانها ذات مقامات و عوالم ثلاثة : العقل , و الخيال , و
الحس) .
أقول : قوله - قدس سره( : - إما تعدد القوى المتخالفة) هذا على مذهب
المشاء
. و قوله( : أو تحقق درجات متفاوتة لذات واحدة) هذا على مذهب الاشراق
و مذهبه أيضا . و كذلك قوله( : أو قوة من قوى نفس) هذا على طريقة المشاء
. و قوله([ : أو جزء من أجزاء