التى هى لبعضها دون بعض لا لكلها , فقد بطل أن تكون النفس جسما لخلو بعض
الأجسام
عنها و عن خاص فعلها و الشى ء لا يخلو عما هو هو . فهذا بيان يشركها مع غيرها من
الأعراض و الصور و القوى و الطبائع التى هى لبعض الأجسام دون بعض فكلها
ليست
بأجسام فان الأجسام من حيث هى أجسام لا تختلف فى جسميتها و لا فيما هو بجسميتها
, و كل صفة لجسم يخالف بها غيره من الأجسام ليست بجسم فالنفس ليست بجسم .
و لا هى من الأعراض الموجودة فى الأبدان التى قوامها بها , فان الشى ء الذى
نرى من الأجسام و نعتقد أن النفس فيه هو البدن الخاص بها و نراها تقبل من
الصور
المدركة , و تلقى من الموجودات المشاهدة بالحواس ما يضيق البدن عن أيسر يسير
منه , فان كانت فى البدن على أنها عرض فيه فالعرض محدود بموضوعه فلا يسع مالا
يسعه موضوعه , و لا يطابق مقدارا يزيد على مقدار موضوعه أعنى ذلك العرض الشخصى
المعين الموجود فى الموضوع الشخصى المعين كنفس زيد فى بدنه فاذا بطل أن تكون
عرضا فى هذا البدن و لا نعتقد أنها فى غيره غلب الظن وقوى الرأى فى أنها ليست
بعرض لكنه لا يحصل به اليقين .
فنقول : و لا هى الروح الموجود فى البدن , و لا الدم على ما ظنه من ظن لأن كلا
منهما جسم و مع كونه جسما فهو صغير لا يسع لما تسع له النفس و لا يسير منه ,
فكيف أن يكون عرضا فيهما , و لا هى المزاج فان المزاج مجموع أعراض هى كيفيات
الممتزج فهى أعراض فى الممتزج الذى هو البدن و روحه و أخلاطه .
و هذا الاحتجاج هو احتجاج افلاطون على أن النفس من الجواهر غير الجسمانية . و
هو احتجاج حسن إلا أنه جزئى القضية لا كليها فانه يمنع أن تكون عرضا فى هذا البدن
المنسوب اليها و لا يمنع عرضيتها مطلقا]( [1] .
اقول : قوله( : تقبل من الصور المدركة الخ) هذا هو أحد الدليل الذى ذكره
القوم على تجرد النفس تجردا برزخيا غير تام عقلى . على التفصيل الذى حررناه فى
كتابينا المذكورين فى ادلة تجرد النفس .
و قوله( : و لا هى الروح) . . . يعنى به الروح البخارى . ثم اذا دل الدليل
على كون النفس ليس بجسم طبيعى , و لا بعرض فى هذا البدن الشخصى فكيف لا يحصل
اليقين
[1] المعتبر لابى البركات , ط حيدر آباد الدكن , ج 2 , ص 356 - 357 .