بذاته فانه عقل و عاقل و معقول . و أما العلم الحضورى الذى يقول به أهل الحكمة
الذائعة من أن نفس الصورة المنتزعة من الأشياء الخارجية حاضرة عند النفس من
دون اتحاد بالعالم فهو بمعزل عن التحقيق .
و اعلم ان المعلوم بالذات هو الصوره النورية المتحققة فى حاق ذاتك , و
المعلوم بالعرض هو الشى ء الخارج عنك , لكن لا مطلقا بل من حيث انه محكى تلك
الصورة المعلومة بالذات , أى وقع بين النفس و بينها نحو اضافة و نسبة .
لو - عين فى أن للانسان ادراكات فوق طور العقل :
المراد من العقل البرهان النظرى بترتيب المقدمات و الأشكال القياسية و
الأقوال
الشارحة . و المراد من فوق طوره هو الكشف و الشهود الذوقى و العلم الوهبى , أى
ان للانسان وراء هذه الادراكات الظاهرة و الباطنة المتعارفة نوعا آخر من
الادراك غير المعتاد . و لم يدع أحد من أساطين العلوم العقلية أن تحصيل
المعارف يتأتى بالحواس و القياس فقط , و ليس له طريق آخر , بل صرحوا بأن
للانسان فى تحصيلها طرقا أخرى وراء الفكر و النظر . قال بعض الأوائل : قد تحقق
لى ألوف من المسائل ليس لى عليها برهان . و قد وصف بعض مشايخ العرفان العلم
الكشفى بالعذب الفرات , و العلم العقلى بالملح الأجاج , و القصد حث أهل
النظر على مقام ارفع و هو كسب العلم الوهبى .
لز - عين فى علم النفس بالصور :
ادراك النفس فى المحسوسات انما هو من انشاء النفس , و كذلك الأمر فى الصور
الخيالية بالوهم يخلق كل انسان فى قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها , و العقل
البسيط خلاق المعقولات التفصيلية . فتلك الصور الحسية و الخيالية قائمة بالنفس
قيام الفعل بفاعله , لا قيام المقبول بقابله . و أما ادراكها الحقائق العقلية
فقد تقدم فى الثامنة و العشرين , انه من فناء النفس فى العقل القدسى . و من
الغوص فى هذه العين يقتنى أن كل محسوس فهو معقول , و أن كل ما هو شرط فى
الاحساس فهو بالحقيقة معد النفس للانشاء كشرائط الابصار مثلا فان حقيقة الابصار
انشاء النفس صورة خيالية حاضرة عندها فى عالم التمثل مجردة عن المادة الطبيعية
, و نسبة النفس اليها نسبة الفاعل المنشى ء للفعل الى ذلك الفعل , لا نسبة
القابل المستكمل بكمال الى ذلك الكمال , و تلك الشرائط كوضع مخصوص بين
المبصر و المبصر , و عدم حاجز بينهما و غيرهما من معدات النفس