نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 327
معاونا على الإثم و الاعتداء، و لكن ذلك من البرّ و التقوى، لأنّه سبب منه و
دالّ عليه، فعاون بالأمر به لحرمة الإسلام، و لأن المواساة من المعروف و
الإحسان. و سمع عمر رضي الله عنه سائلا يسأل بعد المغرب فقال: يا يرفا عشَّ
الرجل، فعشّاه. ثم سمعه ثانية يسأل فقال: أ لم أقل لك عشّ الرجل؟ فقال: قد
عشيته. فنظر عمر فإذا تحت يدة مخلاة مملوءة خبزا فقال:
لست سائلا و لكنك تاجر، ثم نثر المخلاة بين يدي إبل الصدقة و ضربه بالدرة و
قال: لست سائلا، أنت تاجر.
و روينا عن عليّ عليه السلام أنّ الله عزّ و جلّ في خلقه مثوبات فقر و
عقوبات فقر.
فمن علامة الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن خلقه، و يطيع به ربّه، و لا يشكو
حاله، و يشكر الله تعالى على فقره. و من علامات الفقر إذا كان عقوبة أن
يسوء عليه خلقه و يعصي به ربّه و يكثر الشكاية و يتسخط القضاء، فهذا كما
قال عليه السلام. و هذا النوع الذي هو عقوبة من الفقر هو الذي استعاذ منه
النبي صلى الله عليه و سلم و هو فقر النفس، لأن الفقر من المال إنما هو
الافتقار إلى الخلق و الفقر إلى الأشياء مع عدم صدق الحال.
و قد روينا في الخبر: مسألة الناس من الفواحش ما أحلّ من الفواحش غيرها. و
بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم قوما على الإسلام فاشترط عليهم السمع و
الطاعة. ثم قال كلمة خفيفة: و لا تسألوا الناس شيئا فكان صلى الله عليه و
سلم يأمر بالتعفّف و الكفّ عن المسألة و يقول: من سألنا أعطيناه و من
استغنى أغناه الله عزّ و جلّ. و قال: من لم يسألنا فهو أحبّ إلينا. و قال
عليه السلام:
استغنوا عن الناس، و ما قلّ من السؤال فهو خير. قالوا: و منك يا رسول الله
قال: و مني. فلو لم يكن في ترك المسألة لا دعاء رسول الله صلى الله عليه و
سلم من سأل عن غني فإنما يستكثر من جمر جهنم، و من سأل و له ما يغنيه جاء
يوم القيامة و وجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم. و في خبر آخر: كانت مسألته
خدوجا و كدوحا في وجهه. و في الحديث: استغنوا بغنى الله عزّ و جلّ. قالوا: و
ما هو؟ قال: غداء يوم أو عشاء ليلة. و في الخبر: من سأل و له خمسون درهما
أو عدلها من الذهب، فقد سأل إلحافا، و من كان معه هذا القدر من الدنيا لم
يخرجه من عموم الفقراء، فإن سأل مع ذلك أخرجه من عمومهم، و من سأل قبل
الجوع أو بعد الشبع أو سأل ليدّخر أو سأل و له غداء يوم أو عشاء ليلة أخرجه
ذلك من خصوص الفقراء.
و سئل سفيان الثوري عن أفضل الأعمال فقال: التجمل عند المحنة. و على الفقير
أن لا يزكي غنيا لأجل عطائه، و لا يذمّه و لا يمقته لأجل منعه، و لا يعظم
أهل الدنيا، و لا يكرّمهم لأجل دنياهم. و قال ابن المبارك: من تواضع الفقير
أن يتكبر على الأغنياء. و عن عليّ عليه السلام في حكاية المنام: ما أحسن
تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله عزّ و جلّ،
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 327