نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 285
أخوه يقلب بعض الأرغفة ليختار أجودها. فقال له العابد: من أي شيء تصنع؟
أما علمت أنّ هذا الرغيف الذي رغبت عنه و لم تقنع به قد عمل فيه كذا و كذا
صانع، و ظهرت فيه كذا و كذا صنعة، منها السحاب الذي يحمل الماء، و الماء
الذي يسقي الأرض، و الأرض التي أنبتت، و الرياح، و البهائم، و بنو آدم حتى
صار إليك، ثم أنت بعد هذا تقلبه لا ترضى به؟ و قال الآخر زيادة في الخبر:
إنّ الرغيف لا يستدير فيوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلاثمائة و ستون صانعا و
صنعة، أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة، ثم الملائكة التي
تزجر السحاب و الشمس القمر و الأفلاك و ملكوت الهواء و دواب الأرض، و آخر
ذلك الخباز، وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لا تُحْصُوها [إبراهيم: 34] و
الخبر المشهور:
ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطن فدل أنّ ما نقص من ملء البطن فذلك خير،
ثم قال:
حسب ابن آدم لقيمات يشددن صلبه. ففي قوله: لقيمات معنيان، التقلل و
التصغير، لأن التاء تدخل للجمع القليل و هو ما دون العشرة من العدد، و
المعنى الآخر هو التصغير لأن لقيمة تصغير لقمة. ثم قال: فإن لم يفعل فثلث
طعام و ثلث شراب و ثلث للنفس. و في لفظ آخر: و ثلث للذكر، فدل أيضا أنّ
ملء البطن يمنع من الذكر و ما منع من الذكر فهو شرّ. قال الله سبحانه و
تعالى: وَ الله خَيْرٌ وَ أَبْقى [طه: 73]. و قال: وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ
وَ أَبْقى [الأعلى: 17]. و معنى قوله صلى الله عليه و سلم: ثلث طعام أن
يأكل شبعه المعتاد فيصير ثلث الشبع قوام الجسد باعتياد ثان، كما كان ملء
البطن من الشبع هو العادة الأولى، و ثلث الشبع هو ثمان أواق، فهذا على معنى
الخبر الآخر: طعام الواحد يكفي الإثنين و طعام الانين يكفي الأربعة. ففي
هذا خمسة أوجه. قال بعض علمائنا البصريين: طعام الواحد شبعا يكفي الإثنين
قوتا، و طعام الاثنين شبعا يكفي الأربعة قوتا. و منهم من قال: طعام المسلم
يكفي مؤمنين، و طعام مسلمين يكفي أربعة من خصوص المؤمنين. و يجوز أيضا أن
يكون طعام الواحد من المنافقين يكفي مسلمين على معنى قوله: المؤمن يأكل في
معى واحد و المنافق في سبعة أمعاء، و يصلح أن يكون معناه طعام الواحد من
الصناع المتصرفين في المعايش يكفي اثنين ممن هو قاعد لا يتصرف، و يصلح أيضا
طعام الواحد من المفطرين يكفي طعام صائمين من الخصوص. و في خبر عمر رضي
الله عنه حين قال لابن مسعود و أبي موسى في قصة المرتد الذي قتلاه قبل أن
يستتيباه و يحكما: ألا طينتم عليه بيتا و ألقيتم إليه كل يوم رغيفا ثلاثة
أيام، فلعله أن يتوب و يرجع إلى الإسلام. اللهم إني لم آمر و لم أعلم و لم
أرض إذ بلغني فدل هذا أنّ في كل رغيف كفاية يوم و ثلاثة أرغفة عندنا
بالحجاز رطل، لأن الرطل المكي عدد ستة أقراص مذ ذاك إلى يومنا، هذا فيكون
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 285