نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 284
إسراف، و أكلة في يومين إقتار و أكلة في يوم قواما بين ذلك. و أقول على هذا
إنّ أكل أربعة أرغفة سرف، و رغيفين قتر، و ثلاثة أرغفة قوام حسن، و هذا
أعدل الأقوات و لا يعجبني أكل أربعة أرغفة في مقام واحد لأني لا آمن به
ازديادا فيصير ذلك مقتا. و قد يروى في خبر الأكل على الشبع يورث البرص. و
قال بعض السلف: إنّ من السرف أن يأكل العبد كلما يشتهيه. و قد كان للصحابة
أكلتان و شربتان، فالأكلتان الوجبة و الغبوق، فالوجبة من الوقت إلى الوقت، و
كقولك الوقعة، و منه قوله: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها، أي إذا وقعت جنوب
البدن على الأرض، و الغبوق أن يشرب مذقة لبن، أو يأكل كفّ تمر عند النوم،
أو بعد عتمة، أو يكون عند الظهيرة. و قد يكون ذلك سحرا، و الشربتان العلل و
النهل، فالنهل الشربة الأولى من اللبن بمنزلة الوجبة، و العلل الشربة
الثانية بمنزلة الغبوق من نقيع تمر أو زبيب يقوم مقام الأكلتين فهنّ تمام
الري، و الأولى علالة النفس من العطش فسمي عللا، و كان من أخلاف السلف ترك
الشبع اختيارا لأنفسهم لخفة الجسم، أو مواساة الفقراء، أو مساواة لهم في
الحال لئلا يفضل عليهم في حالهم، و لهذا قالت عائشة رضي الله عنها:
أوّل بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم الشبع. إن القوم لما
شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا.
و روينا في خبر: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجوع لا من عوز أي
مختارا له مع الإمكان في الأوقات. و قال بعض العلماء: أبغض الأشياء إلى
الله عزّ و جلّ بطن مليء و لو من حلال.
و قد روينا معناه مسندا و في الخبر الإسرائيلي أنّ يحيى عليه السلام ظهر له
إبليس فرأى عليه معاليق من ألوان الأصباغ من كل شيء. فقال له: ما هذه
المعاليق؟ قال:
شهوات بني آدم. قال: فهل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة و
عن الذكر. قال: هل غير ذلك؟ قال: لا. قال للَّه تبارك و تعالى على أن لا
أملا بطني من طعام أبدا. قال إبليس: و للَّه علي أن لا أنصح مسلما أبدا. و
قد كان من أخلاق التابعين الصبر على الطعم إلى أحد حدّي الجوع، الأول منها و
هو أربعة و عشرون ساعة، و لم يكن من أخلاقهم الأكل للعادة و لا تخيّر
الأطعمة، و لا تعمّد الخبر خاصة دون غيره من المأكولات إذا سدّ الجوعة و
قامت به البلغة. و كان أبو سليمان الداراني يقول: إذا عرضت لك حاجة من
حوائج الآخرة فاقضها قبل أن تأكل. فما من أحد شبع إلّا نقص من عقله، أو
قال: تغير تقله عما كان عليه. و كان يقول لأن أترك من عشائي لقمة أحبّ إليّ
من قيام ليلة، هذا لإيثاره الجوع و التقلل على العباد مع التكثر.
و روينا عن وهب بن منبه و غيره أنّ عابدا دعا بعض إخوانه فقرّب إليه رغيفان
فجعل
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 284