نام کتاب : رسائل الشهيد الثاني نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 43
جُلّهم، أو من شاهدتُم منهُم، ما كانوا يَتَحاشون عن الأحكام وَ تَقعُ منهم مِراراً، و كفى جرحاً فعل ما خالف الإجماعَ المصرّحَ من مثلِ العلامةِ جمال الدين (رحمه الله)[1] و غيرِه، بل يَتَرَتّبُ على هذا ضَمانُهم الأموالَ التي حكموا بها و احْتَبسوها [2] من مال الغائب و غيره، و استقرارُها في ذِمّتِهِم، كما هو معلوم مقرّر في بابه و مقطوع به في فتاواهم، بأنّ من هو قاصر عن درجة الفتوى يَضْمَنُ ما أخْطَأ فيه من الأحكام في ماله، و يَضْمَنُ ما تَصَرّفَ فيه من مال الغائب كذلك.
الوجه الحادي عشر: أنّ مستَنَدَ الأحكامِ و دلائلَ الفقهِ لمّا كانت ظنّيةً لم تكن دالّةً بذاتِها على تلك الأحكام، و موجبةً للعمل بها، بل لا بدّ من اقترانِها بظنّ الفقيهِ البالغِ درجةَ الفتوى، و رجحانِها عنده و لو بالاستدامة الحكميّة، كحالة نومهِ و غفلتِهِ. و لهذا لا يجوز العملُ بما دلّت عليه لو حصلت تلك الأدلّةُ لغيره ممّن لم يبلغِ الدرجةَ، و لا له إذا تغيّرَ ظنُهُ و رجع إلى نقيضها، و حينئذٍ فيكون المُثبِت لتلك الأحكام هو تلك الدلالةِ المقترِنةِ بالظنّ فعلًا أو قوّةً.
فتبيّن من ذلك أنّ تلك الدَّلائلَ لا تستلزم الحكمَ بذاتها، بل بالظنّ الحاصلِ باعتبارِ انتفاء المعارض، و هذا الظنّ يمتنع بقاؤه بعد الموت؛ لأنّه من الأعراض المشروطة بالحياة فيزول المقتضي لِزوالهِ، و يبقى الحُكمُ بعد موتِهِ خالياً عن سندٍ، فيخرج عن كونه معتبراً شرعاً.
و أوضحُ ما يؤيّد هذا الوجهَ أنّ المجتهدَ لو رَجَعَ في المسألةِ عن مقام الترجيح إلى التوقّف، بَطَلَ ذلك الترجيحُ في حقّه و حقّ المقلّدِ، كما لو رَجَعَ عنه إلى ترجيح نقيضِهِ، و حينئذٍ فكيف يثبتُ بعد الموتِ ما يَبطُلُ في حالِ الحياة عند