responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رسائل الشهيد الثاني نویسنده : الشهيد الثاني    جلد : 1  صفحه : 394

الجبال؛ توحّشاً مِن الخلق و طلباً للأُنس بالخالق، و أعرضوا عن جميع ما سِواه، و لذلك مَدَحَهم الله تعالى بقوله بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْبٰاناً وَ أَنَّهُمْ لٰا يَسْتَكْبِرُونَ [1]. فلمّا انْدَرَس ذلك و أقبل الخلقُ على اتّباع الشهَوات و الإقبالِ على الدنيا و الالتفات عن الله تعالى بَعَثَ الله نبيّاً محمّداً (صلّى الله عليه و آله) لإحياء طريق الآخرة و تجديدِ سُنّةِ المرسلين في سلوكها، فسَألَه أهلُ الملل عن الرُّهبانيّة و السياحة في دينه فقال: «أبْدَلَنا [الله] [2] بها الجهادَ و التكبير على كلّ شَرَفٍ» يعني الحجّ. و سُئل (عليه السلام) عن السائحين، فقال: «هم الصائمون» فجعل (صلّى الله عليه و آله) الحجّ رهبانيّةً لهذه الأُمّة، فشَرّفَ البيتَ العتيقَ بإضافته إلى نفسه، و نَصَبه مَقْصداً لعباده، و جَعَلَ ما حولَه حرماً لبيته؛ تفخيماً و تعظيماً لشأنه، و جَعَلَ عرفاتٍ كالميدان على باب حَرَمه، و أكّدَ حرمةَ الموضعِ بتحريم صَيْده و شَجَره، و وَضَعه على مثال حَضرة الملوك يَقْصِدُه الزوّار مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [3] شُعْثاً غُبْراً متواضِعينَ لربّ البيت، مُسْتَكينينَ له؛ خضوعاً لجلالة و اسْتِكانةً لعزّته مع الاعتراف بتنزيهه سبحانه عن أنْ يَحْوِيه مكان ليكون ذلك أبلغَ في رِقّهم و عُبوديّتهم.

و لذلك وَظّفَ عليهم فيها أعمالًا لا تَأنَسُ بها النفوسُ و لا تَهْتَدي لمعانيها العقولُ، كرَمْي الجِمار بالأحجار، و التردّدِ بينَ الصفا و المروة على سبيل التكرار. و بمثل هذه الأعمالِ يَظْهر كمالُ الرِّقّ و العبوديّةِ بخلاف سائر العبادات كالزكاة التي هي إرفاق من وجه معلوم، و للعقل إليه ميل، و الصوْمِ الذي هو


[1] المائدة (5): 82.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

[3] اقتباس من الآية 27 من الحج (22).

نام کتاب : رسائل الشهيد الثاني نویسنده : الشهيد الثاني    جلد : 1  صفحه : 394
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست