آل
عمران: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ[1] و الدليل هو وحدة السياق في الآية
الشريفة، و إذا جاء معها الحرف «من» فهي تعني الانتخاب من بين جماعة، و هذا ما نلمسه
في سورة فاطر: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ
عِبادِنا[2]. أمّا إذا استعملت مع «على» فإنّها
تفيد ترجيح المنتخب. فهي و إن اشتركت مع المعنى المُراد في القسم الثاني؛ أي
الانتخاب الخالص، إلّا أنّها تفرق عنه بأنّها تتضمن ترجيح المنتخب، و هذا ما ورد
في قصّة طالوت التي أشرنا إليها آنفاً إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ[3]. و لذلك وردت استفهامية في سورة الصافّات
أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ[4] أي ليس هنالك من ترجيح و انتخاب في هذا الأمر.
رفع
إشكال:
لقد
تضمّن معنى «الاصطفاء» رفع إشكال من شأنه تشويش أذهان العوامّ، فقد صرّح القرآن
بشأن مريم قائلًا: وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ
الْعالَمِينَ[5]. يعتقد البعض أنّ مريم مصطفاة على
كافّة نساء العالم، و الحال أنّ الآية لا تفيد أيّ اصطفاء بالنسبة لعامّة نساء
العالم و لا امتياز عليهنّ «أنت مصطفاة و ممتازة من بين نساء العالم». فهي ليست
منتخبة على جميع النساء و ليس لها من امتياز على الجميع، بل هي مصطفاة من بين
نخبة النساء، و نعلم أنّ مريم من المصاديق العُليا للنساء الجليلات: مريم عابدة و
مطهّرة، و هذا لا يتنافى و وجود سائر النساء الجليلات الاخريات في هذا الجنس
البشري، و الكلام يختصّ بكونها