فإنّها تدلّ بإطلاقها على جواز التوضّي و الشرب من الماء الجاري
فيما إذا غلب على ريح الجيفة و لو كان قليلًا غير بالغ حدّ الكرّ.
و منها: رواية أبي خالد القمّاط: أنّه سمع أبا عبد اللَّه (عليه
السّلام) يقول في الماء يمرّ به الرجل، و هو نقيعٌ، فيه الميتة و الجيفة، فقال أبو
عبد اللَّه (عليه السّلام)
إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه، فلا تشرب و لا تتوضّأ منه، و
إن لم يتغيّر ريحه و طعمه فاشرب و توضّأ [1].
و مورد السؤال في هذه الرواية و إن كان هو الماء النقيع؛ أي المجتمع
في موضع، إلّا أنّ العدول في مقام الجواب عن بيان حكم هذا المورد بخصوصه، و
التعبير بالقضيّة الكلّية، و هي قوله (عليه السّلام)
إن كان الماء ..
إلى آخره، ربما يدلّ على المطلب، كما هو غير خفيّ.
و منها: صحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا (عليه السّلام) قال
ماء البئر واسع لا يُفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح
حتّى يذهب الريح و يطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة
[2].
فإنّه لا ريب في أنّ المراد بقوله (عليه السّلام)
لا يُفسده شيء
ليس الإخبار عن أنّه لا يَفسُد بما هو مُفسد في نظر العرف، بل المراد
به بيان الحكم، و هو اعتصامه و عدم انفعاله.
و حينئذٍ فإمّا أن يقال: بكون التعليل بأنّ «له مادّة» تعليلًا لهذا
الحكم، فالرواية تدلّ معه على حكم الماء الجاري لمكان التعليل؛ لأنّه يستفاد
منها: أنّ
[1] تهذيب الأحكام 1: 40/ 112، وسائل الشيعة 1: 138، كتاب
الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 4.
[2] الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 141، كتاب الطهارة، أبواب
الماء المطلق، الباب 3، الحديث 12.