القرآن الكريم يكون المراد بها النفر للجهاد، لا النفر
للتفقّه.
و عليه فيتعيّن أن يكون المراد من الآية هو تفقّه النافرين
بسبب ما يرونه في الجهاد من السفرة الإلهية و الإمدادات الغيبية و قوّة الإيمان و
إنذار القوم الذين هم الكفّار الموجودون في المدينة، لعلّهم يحذرون و يدخلون في
دين اللَّه، أو يصون الإسلام و المسلمون من شرورهم. و يؤيّد ذلك رجوع الضمير في «ليتفقّهوا»
أو ما بعده إلى النافرين المذكورين في الآية، و لا وجه للرجوع إلى المتخلّفين، بعد
عدم كونهم مذكورين، و أيضاً لا يناسب الإنذار و الحذر بالإضافة إلى المجاهدين،
أصلًا.
و إلى أنّ التفقّه يحتمل أن يكون المراد به التفقّه في
الاصول الاعتقادية، لا الأحكام الفرعية، كما يشهد بذلك الروايات الكثيرة التي
استدلّ فيها بالآية الشريفة لأصل الإمامة [1]
. و على تقدير أن يكون المراد به الأعمّ من التفقّه في
الأحكام الفرعية فالظاهر أنّ المراد بقوله «لينذروا» هو إنذار كلّ واحد من
المتفقّهين النافرين أو المتخلّفين- على اختلاف التفسيرين- جميع قومهم، و حينئذٍ
فلا يدلّ على وجوب تصديق كلّ واحد من المنذرين، و على تقدير وجوب تصديقه ينحصر ذلك
بالمتفقّه المنذر، لا كلّ من تحمّل الحديث، و إن لم يكن فقيهاً.
هذا كلّه، مضافاً إلى المنع من كون الحذر واجباً، و على
تقدير وجوبه لا دليل على كون المراد بالحذر هو الحذر العملي الراجع إلى العمل بقول
المنذر، بل الظاهر هو التحذّر القلبي و الخوف و الخشية، فيكون المقصود لينذروا
قومهم بالموعظة و الإيعاد، حتّى يخافوا من عذاب اللَّه، و يعملوا بوظائفهم.