كانت مصلحة التعبّد بالعمل على طبق الأمارات أقوى، كما أنّ
الأمر كان كذلك في زمان الانفتاح؛ ضرورة أنّه لو كان كلّ من الناس مكلّفاً
بالمراجعة إلى الإمام، و السؤال من شخصه يلزم بطلان أساس الشريعة؛ لأنّ مع عدم
مراجعة الشيعة إليهم إلّا قليلًا منهم كانوا عليهم السلام في أعلى مراتب المحدودية
من طرف الخلفاء الاموية و العبّاسية؛ بحيث لا يمكن لهم بيان الأحكام إلّا في
الخفاء بالنسبة إلى أشخاص معدودة، فكيف إذا كان تكليف الشيعة تحصيل العلم بالأحكام
من طريق السؤال عن الإمام عليه السلام؟
و حينئذٍ فيجوز للشارع أن يجعل الأمارات الغير العلمية
حجّة؛ نظراً إلى بقاء الشريعة، و من المعلوم أنّ المصلحة الفائتة من عدم إيجابه
تحصيل العلم بالسؤال عنهم عليهم السلام بالنسبة إلى جماعة من المتشرّعين بها فانية
في مقابل مصلحة بقاء الشريعة، كما هو واضح.
و أمّا في زمان الانسداد فلا إشكال في أنّ طريق تحصيل العلم
ينحصر بالاحتياط التامّ، كما ذكرنا. و التفويت المتوهّم إنّما يلزم من عدم إيجاب
الشارع ذلك الاحتياط؛ ضرورة أنّه لو أوجبه- كما هو مقتضى حكم العقل- لم يلزم تفويت
أصلًا.
فلنا أن نقول: إنّ عدم إيجاب الشارع يمكن أن يكون لأجل علمه
بأنّه لو أوجب ذلك، مع تعسّره- كما لا يخفى- لكان الناس يرغبون عن أصل الشريعة، و
يخرج الدين عن كونه سمحة سهلة، كيف فنحن نرى بالوجدان أنّ في هذا الزمان- مع سهولة
العمل بالأحكام- لا يعملون بأكثرها، كما لا يخفى.
و قد عرفت: أنّ مجرّد الإمكان بمعنى الاحتمال يكفينا في هذا
المقام؛ إذ لسنا بصدد إثبات الإمكان الوقوعي؛ لعدم الاحتياج إليه، كما تقدّم.