الأوّل:
ظاهر الكتاب بل صريحه، قال اللَّه تبارك و تعالى
فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ
عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[1] و لكن ربّما يتوهّم [2] أنّ قوله تعالى بعد ذلك مع فصل خمس آيات
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ[3] ناسخ للآية الاولى، لظهورها في تعيّن
الحكم على ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، و يؤيّده ما حكي في بعض التفاسير [4] عن ابن عباس من كونها منسوخة بالآية
الثانية و لكنّ السياق يشهد بعدم كونها ناسخة لها؛ لأنّ الظّاهر نزولها مع الآيات
المتعدّدة الأُخرى في واقعة واحدة و دفعة واحدة، كما يظهر بملاحظة شأن نزولها، و
هو على ما في «المجمع» ملخّصاً حاكياً له عن الباقر (عليه السّلام) و جماعة من
المفسّرين: أنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم و هما محصنان،
فكرهوا رجمهما، فأرسلوا إلى يهود المدينة و كتبوا إليهم أن يسألوا النبيَّ (صلّى
اللَّه عليه و آله) عن ذلك طمعاً في أن يأتي لهم برخصة، فانطلق قوم .. فقالوا: يا
محمّد أخبرنا عن الزاني و الزانية إذا أُحصنا ما حدّهما؟ فقال: و هل ترضون بقضائي
في ذلك؟ قالوا: نعم، فنزل جبرئيل بالرجم، فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به، فقال
جبرئيل:
[2] راجع الجامع لأحكام القرآن: 6/ 185، مجمع
البيان: 3/ 325.
[3] سورة المائدة: 5/ 48، لكن يظهر من التفاسير
أنّ للعامّة قول بنسخة بقوله تعالى وَ أَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ
يعني الآية 49 من سورة المائدة لا الآية 48.