responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 93

حتى تصير أجزاؤها بخارا يتصاعد منها،فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء،يجبر ما انحل و تبخر من أجزائها،لفسد الحيوان.فخلق اللّه الغذاء الموافق لبدن الحيوان،و خلق في الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء ،كالموكل به في جبر ما انكسر،و سد ما انثلم،ليكون ذلك حافظا له من الهلاك بهذا السبب

و أما الأسباب الخارجة

التي يتعرض لها الإنسان،فكالسيف،و السنان،و سائر المهلكات التي يقصد بها،فافتقر إلى قوة و حمية تثور من باطنه،فتدفع المهلكات عنه،فخلق اللّه طبيعة الغضب من النار،و غرزها في الإنسان،و عجنها بطينته،فمهما صد عن غرض من أغراضه،و مقصود من مقاصده،اشتعلت نار الغضب،و ثارت به ثورانا يغلى به دم القلب و ينتشر في العروق،و يرتفع إلى أعالى البدن كما ترتفع النار،و كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.فلذلك ينصب إلى الوجه،فيحمر الوجه و العين،و البشرة لصفائها،تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم،كما تحكي الزجاجة لون ما فيها.و إنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه، و استشعر القدرة عليه.فإن صدر الغضب على من فوقه،و كان معه يأس من الانتقام،تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب،و صار حزنا.و لذلك يصفر اللون.و إن كان الغضب على نظير يشك فيه،تردد الدم بين انقباض و انبساط،فيحمر و يصفر و يضطرب و بالجملة فقوة الغضب محلها القلب،و معناها غليان دم القلب بطلب الانتقام.و إنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها،و إلى التشفي و الانتقام بعد وقوعها.و الانتقام قوت هذه القوة و شهوتها،و فيه لذتها،و لا تسكن إلا به ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة،من التفريط،و الإفراط و الاعتدال.أما التفريط،فبفقد هذه القوة أو ضعفها،و ذلك مذموم.و هو الذي يقال فيه إنه لا حمية له.و لذلك قال الشافعي رحمه اللّه،من استغضب فلم يغضب فهو حمار فمن فقد قوة الغضب و الحمية أصلا،فهو ناقص جدا.و قد وصف اللّه سبحانه أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم بالشدة و الحمية،فقال أَشِدّٰاءُ عَلَى الْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ [1]و قال لنبيه صلى اللّه عليه و سلم جٰاهِدِ الْكُفّٰارَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ [2]الآية.و إنما الغلظة و الشدة


[1] الفتح:29

[2] التحريم:9

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 93
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست